كيف تود مني أن أتكلم عن المحبة ولا أرى في الأرض غير البغض والكراهية؟ كيف تريدني أن أتحدث عن الجمال ولا أجد في هذا العالم غير البشاعة والقبح والدمامة؟ كيف تسألني عن الخير ولا أشاهد سوى الشر مسيطراً يختال ويتبختر بين البشر ويمزق الرحمة من قلوبهم؟ كيف تريدني أن أحدثك عن العدل ولا أبصر في هذه الدنيا سوى الظلم والافتراء؟ كيف تود أن أحدثك عن نعيم الحياة ولا ألمح سوى شبح الموت يجوب بين الأروقة وعلى الطرقات ؟. كيف تريدني أن أكلمك عن المثقفين والعلماء ذوي الأخلاق ولم أصادف سوى أناس يتربعون على شهادات من ورق؟ كيف تود أن أحدثك عن الضمير وقد انقرض منذ زمن طويل؟ كيف تريدني أن أتغنى بالديمقراطية وها أنني اليوم أرى دولاً كانت تحمل راية الحرية والديمقراطية وأضحت اليوم تدوسها وترتكب باسمها المجازر وإبادة البشر، كيف تسألني عن المؤمنين ولا أصادف إلا أناساً ملحدين وعبدة للشر وللشهوات؟ كيف تريدني أن أتكلم عن الإنسانية ولم أعد ألقاها في أفئدة الناس، كيف تود أن أخبرك عن البراءة ولم تجد في المجتمعات سوى الخبث والمكر؟ تود مني أن أحدثك عن الربيع، فلقد زال وانتهى وساد الصيف الحار والقيظ والنار في هذه الأرض، كيف تريدني أن أسرد لك قصص الأحلام وأهميتها وأنا أراها تذوب مع دموع الأطفال الموجوعة التي تصرخ من بين ركام منازلهم المدمرة في الحروب؟ كيف تود مني أن أكلمك عن السلام ولا أشاهد في كل الأرجاء سوى قتل ومجازر وأشلاء صبية ونساء، وجثث على جوانب الأرصفة.
أين نحن يا إلهي؟ في أي زمن قد حللنا وإلى أين سنصل؟ هل اقتربت نهاية العالم؟ هل انتصر الشر؟ آه كم أتوق إلى الخير للبراءة، للمحبة للحلم ، لأخي الإنسان، للأمل للمشاعر الطيبة. آه كم أود أن أرحل بعيداً بعيداً وأكون وحيداً فأحيا بين الطبيعة مع الطيور وسكون الوديان وخرير مياه الأنهر، فأنصت إلى صوتك يا إلهي علني أدرك أنني إنسان...