النهار

هِش مش كِش
كاريكاتور علي خليل
A+   A-
ما هو ذنبنا لنعيش في دوامة القهر المتواصل؟
ما هو ذنبنا أن نرتهن لزمرةٍ مرتزقةٍ تفتقد لأدنى مقومات الحس الإنساني؟
هل بات القهر هو "رغيف عيش" لشتى شرائح المجتمع اللبناني؟
أو بالأحرى لقسم من هذا الشعب الذي بات مغلوبٌ على أمره يبتلع وجعه وخوفه قبل حبوب مهدئ الأعصاب..
وقد يتساءل البعض لماذا ساءت أخلاق المجتمع؟
وجدت بعد متابعتي لبعض المظاهر التي نعيشها، كتدني مستوى أخلاق المجتمع، أن هناك أزمة حادة ولكن ليس معنى هذا أنه لا يوجد أفراد يحملون القيم والأخلاق الحميدة.
المصيبة الأكبر أن المدرسة الأولى والحاضن الأول للفرد عرفت تحطيم و تفكيك لها ألا وهي العائلة، فقد أصبحت في وقتنا الحالي فاقدة لكل أهلية ورمزية.
صورة سيئة الإخراج للأسرة داخل المجتمع، تفكك مادي ومعنوي ساهمت فيه بصفة كبيرة التكنولوجيات الحديثة.
كما شهدنا تحطم لصورة الأب التاريخية، فلم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي وتكون دروس الرذيلة، الغش والانتهازية أولى الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة هو السائد، البقاء للأقوى وأي قوة، قوة تحطيم الأفضل، قوة تمجيد السارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة ولم يعد يحمل صفة النبوة.
إنما الأمم أخلاق، إن ذهبت ذهبوا، يوماً بعد يوم يزداد الوضع قتامة وبشاعة، وأصبحنا نعرف انقلاباً قيمياً وأخلاقياً ساهم تدهور التعليم مساهمة فعالة للحالة الاجتماعية، بالإضافة لإبتعاد الفرد عن المصادر التي تدعوه إلى الاستقامة وتحدد له سبل الرقي الفكري والأخلاقي.
لكن للأسف كان للعولمة دور بارز في تحطيم الدين والفكر الفلسفي لصالح مناهج جديدة أصبحت تخاطب غريزة الفرد.
ناهيك عما آلت إليه أوضاع لبنان خلال فترة الثورة وما نشأ عنها، كذلك الأزمة الإقتصادية والارتفاع الجنوني للدولار مقابل الليرة التي تسببت بدورها بمصائب أخرى، كإرتفاع معدل الفقر، إرتفاع معدل البطالة، والتضخم.
فمعدل الفقر ارتفع أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي إلى 44% من مجموع السكان، وفقا لتقرير جديد للبنك الدولي. واستناداً إلى دراسة استقصائية للأسر أُجريت مؤخراً وشملت محافظات عكار وبيروت والبقاع وشمال لبنان ومعظم جبل لبنان، خلص التقرير إلى أن واحداً من كل ثلاثة لبنانيين في هذه المناطق طاله الفقر في عام 2022، ما يسلط الضوء على ضرورة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وخلق فرص العمل للمساعدة في التخفيف من حدة الفقر ومعالجة أوجه عدم المساواة المتنامية.
أما معدّل البطالة فقد بلغ 29.6% في العام 2022، مقابل 11.4% بين العامين 2018 و2019، أي بزيادة نسبتها 18.2%، بحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية عنوانه "التشغيل والآفاق الاجتماعية في الدول العربية - اتجاهات 2024".
ويعتبرأن معدّل البطالة "زيادة خطيرة ومقلقة". لكن الأخطر هو ما أشار إليه التقرير لجهة كون 48.9% من العاطلين من العمل في لبنان يندرجون تحت خانة "البطالة الطويلة الأمد"، أي أنهم لن يعانوا فقط من انعدام الاستقرار المالي، بل أيضاً من فقدان المهارات والقدرة على العمل، وهذا ما يقلّل احتمالات إعادة دمجهم في النشاط الاقتصادي وعودتهم إلى العمل.
فيما نسبة البطالة بين الشباب وصلت إلى 47.8%. وإلى ذلك، عبّر 63% من المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم في مغادرة لبنان بشكل دائم.
أما معدل التضخم فقد سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، مسبوقاً من الأرجنتين 251 في المئة، ومتبوعاً من فنزويلا 173 في المئة، وتركيا 72 في المئة، وذلك بين الفترة الممتدّة بين شهر كانون الأوّل 2022 وكانون الأوّل 2023، وقد بلغت نسبة التغيّر السنويّة في مؤشّر تضخّم أسعار الغذاء 208 في المئة.
يقول الفيلسوف الكندي "آلان دونو" في كتاب "نظام التفاهة":
"إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً؛ إنه زمن الصعاليك الهابط".
الوطن لم يعد الجامع بين اللبنانيين بيد أن الطائفة والمذهب والمنطقة والحي ومصلحة زعيم الطائفه كلها عوامل يمكنها ان تجمع طيفاً من اللبنانيين. بينما الوطن بمعانيه الحقيقية صار يعني بالنسبة لمعظم اللبنانيين الغربة عن الجغرافيا المناطقية وعن الأخ الإنسان في الوطن.
لبنان الوطن ضاع بين الطوائف وزعمائها، أما المجتمع اللبناني فمن الصعب ترميمه وإعادة وحدته، والسبب هو هجرة التربية البيتية والوطنية. أما السبب الرئيس فهو أن المجتمع اللبناني تعود مغادرة الأخلاق الإنسانية بتأشيرة خروج بلا عودة.
أختم بالقول لا أمل للوطن ولا للمجتمع اللبناني إلا بالعودة الى تربية الأجيال الناشئة تربية بيتية وتربية وطنية حقيقية، وإلا فلن يسلم المجتمع ولن يكون لبنان وطناً.
إن إصلاح المجتمع مرده للأخلاق، إنما الأمم الاخلاق ما بقيت... فإن ذهبت اخلاقهم هم ذهبوا، فبعدما كنا ملوكاً بامتيازات كثيرة يحسدنا عليها كثر ويقال لنا كِش ملك.. بتنا كالقطيع نرتهن لتفاهات دنيوية رخيصة وبات يقال لنا . هِش مش كِش.
الكلمات الدالة

مواضيع ذات صلة

2/2/2023 9:23:00 AM
إعلان

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/4/2024 12:32:00 AM
لا يقل انزال البترون أيضا في وصفه وطبيعته عن خرق فضائحي للسيادة واحتقار لها في قلب منطقة لبنانية نائية عن جبهة القتال

اقرأ في النهار Premium