الجمال هو مفهوم شخصي، يتأثر بعوامل كثيرة، مثل الثقافة والتاريخ وعلم النفس. في العالم الحديث، تعد وسائل التواصل الاجتماعي من أقوى العوامل وأكثرها انتشارًا وهي التي تشكل تصورنا للجمال. أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، المصادر الأساسية للمعلومات والترفيه والتواصل لمليارات الأشخاص حول العالم. كما أن لها تأثيرًا كبيرًا على كيفية رؤيتنا لأنفسنا وللآخرين من حيث المظهر الجسدي والجاذبية واحترام الذات.
تعرضنا وسائل التواصل الاجتماعي لمجموعة متنوعة من معايير واتجاهات الجمال. يمكننا أن نرى المشاهير، المؤثرين، عارضي الأزياء، والأشخاص العاديين من مختلف البلدان والخلفيات، الذين لديهم ألوان بشرة مختلفة، وأشكال أجسام، وألوان شعر، وملامح وجه مختلفة. يمكننا أيضًا التعرف على أحدث منتجات وتقنيات وابتكارات التجميل الشائعة في مناطق وأسواق مختلفة. وهذا يمكن أن يوسع آفاقنا ويلهمنا لتغيرمظهرنا.
تخلق وسائل التواصل الاجتماعي ضغطًا للتوافق والتنافس مع صور الجمال غير الواقعية والمثالية. تعرضنا وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا لتدفق مستمر من الصور ومقاطع الفيديو المنسقة والمعدلة التي تصور نسخة مشوهة وغير واقعية من الجمال. ويشعر العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الشباب والشابات، بالحاجة إلى مقارنة أنفسهم بهذه الصور والسعي لتحقيق نفس المستوى من الكمال والجاذبية.
قد يلجؤون إلى استخدام المرشحات أو الفوتوشوب أو الجراحة التجميلية أو الأنظمة الغذائية والتمارين القاسية لتغيير مظهرهم والتوافق مع معايير الجمال السائدة، او يمكن أن يلجأ البعض الآخر إلى عمليات التجميل التي لديها نسبة كبيرة بالفشل والتي يمكن أن يرفضها الجسم لعدم تقبله للمواد الكيميائية الموجودة في المنتجات.
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي متجراً لأصحاب النفوذ والمدونين في مجال التجميل، يعرضون فيه مهاراتهم وآرائهم وتوصياتهم لملايين المتابعين . غالبًا ما يعرضون المنتجات غير المتوفرة على نطاق واسع أو غير المعروفة، مثل العلامات التجارية المستقلة أو مستحضرات التجميل العضوية أو الأدوات المبتكرة. ومن خلال تعريض متابعيهم لهذه المنتجات، فإنهم يخلقون الفضول والطلب بين المستهلكين الذين يرغبون في تجربتها. على سبيل المثال، تعاون مؤثر التجميل جيمس تشارلز مع مورف لإطلاق لوحة ظلال العيون الملونة التي بيعت بالكامل في غضون دقائق من إصدارها.
من معايير الجمال المتداول هذه الايام الجسم النحيف، ووضع مستحضرات التجميل (المرأة)، والتركيز على صرعات موضة معينة مثل الثياب الواسعة والألوان الهادئة، الشعر القصير للبنات والطوبل للرجال، وارتداء الإكسسوارات بشكل كثيف ولكن هناك تناقضاً كبيراً في المحتوى الذي تقدمه صفحات التواصل الاجتماعي، مثلا يوجد صفحات تشجع على حب الذات وتقبل جميع الأجسام والأحجام وصفحات أخرى تتنمر وترفض رفضاً تاماً الأجسام الممتلئة. ونفس التناقض نراه بقضايا مختلفة مثل لون البشرة.
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي منصة للتعبيرعن الآراء والأفكار بحرية، في بعض الأحيان تتحول هذه المنصات إلى بيئة سلبية للغاية ويصبح التنمر هو السائد، فهي تعتبر ساحة مفتوحة يرتادها أيّ كان من أي مكان، متسلّحاً بقدرته على التعليق والمشاركة وتسجيل قبوله ورفضه لهذا الموضوع أو ذاك. تشمل التنمرعلى الجسد أو الشكل الخارجي أو ممكن على الفكر.
تعد وسائل التواصل الاجتماعي بيئة مثالية للتنمر لعدة أسباب، منها الإمكانيات اللامحدودة للنشر السريع والمستمر، والإمكانية التي تتيحها للأفراد لإخفاء هويتهم وبالتالي زيادة انتشار التنمر بشكل مجهول. بطبيعة الحال يمكن أن يؤدي التنمر إلى آثار نفسية خطيرةعلى الأفراد المستهدفين، مثل انخفاض مستوى الثقة بالنفس والعزلة الاجتماعية والمعاناة في بناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين، كما يؤثر التنمر سلبًا على أداء الأطفال في المدارس والشباب في العمل، حيث يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية والتحصيل الدراسي، قد يؤدي التنمر إلى مشاكل صحية جسدية مثل الأرق والأمراض النفسية الناتجة عن التوتر المستمر. في بعض الحالات، يمكن أن يدفع التنمر الأفراد إلى الانتقام من المعتدين، ما يزيد من دائرة العنف والتوتر.
يؤثر التنمر والإحساس الدائم بضرورة الاندماج مع الجميع وتفادي الكره المنتشر بشكل واسع على السوشيل ميديا على الأشخاص بغض النظر عن عمرهم، فبسبب التنمر الإلكتروني شهد العالم ازدياداً بنسبة 77% من حالات الانتحار بحسب التقرير العالمي (بحسب التقرير العالمي في عام 2023: تقديرات الصحة العالمية) وشهد لبنان ازدياداً في حالات الانتحار بنسبة23 % في 2023.
لا يمكننا الحد من التنمر، ولكن يمكننا توعية الجيل الجديد والقيام بحملات توعية والتأكيد لهم أن المثالية التي تعرضها السوشيل ميديا هي كذبة وليس عليهم الالتحاق بالموضة، ولا الاندماج بين العالم و خصوصاً إذا كان هذا الاندماج على حساب محبة ذاتهم.