هل أبكي أم أتنفّس؟
لقد غدا الحزن صديقي الوحيد وملجأي الذي أتنفّس منه، ومعه أطلق الآهات وأذرف الدموع دون أن يراني أحد سواه. إليه أهرب من هذا العالم ومن كلّ البشر نحو مسكن الوحدة. أرتمي تحت ظلال أغصانه وعلى وقع الناي الشجيّ تنهمر دموعي شلالاً حتّى تنضب وتنتهي فأشعر بالأمان والحرية، ثمّ أنطق من أعماقي بكلّ ما يؤلمني، وأصرخ في وجه الوجع دون أن أقلق من وجود أحد إلى جانبي، وأطلق تنهيداتي وكلّ ما يخنق صوتي إلى السماء.
مع صديقي الحزن وفي مسكنه "الوحدة" أخلع ثوب مراعاة المجتمع والهلع ثمّ أُلقي بنفسي في نهر المشاعر الصادقة، أُغمض عينيّ وأغرق في بحر الحنين فألتقي بمن أحبّ وبمن تاقت لهم روحي، ورحلوا منذ زمن طويل. تلهف نفسي إليهم وتمتزج دموعي مع بسمة يتيمة تُبرد غليلي وتطفئ جمر الوجع في أعماقي. أكتفي برؤيتهم في قلبي يمرّون كالغيم أمام شرفة ذاكرتي فأبقى أتأمّلهم حتّى تتعب مقلتي وأستسلم للنوم.
هي الحياة سنكملها بمرّها وقساوتها وما يختلج في صدورنا من ألم وعذاب لن يشعر به إلّا من غاب من الأحباء، واليوم يلفحون أفئدتنا بنسائم روحهم فنشعر بحبّهم وحنانهم ولكن مع وجع كبير لأنّهم رحلوا من هذه الأرض. ما أبوح به الآن يا صديقي الحزن لا يعني البشر، ولا يهمّني أن يبالوا به فهم لم ولن يفقهوه ولن يسمعوا أنّات روحي ولا معاني الكلمات التي يخفق بها قلبي، ولن يشعروا بالجمر الذي يحرق كبدي ويجعل عينيّ تدمعان ناراً. وما أكتبه من مداد قلمي ليس إلّا عطور مشاعري التي أتنفّس منها البقاء والحياة.