الأحداث الرياضية العالمية هي فرص حقيقية للدول التي تستضيفها لإثبات وإظهار إمكانياتها المادية وغير المادية ولتأكيد قدرات أبنائها الإبداعية، وكذلك لإظهار حسن نواياها تجاه الدول المشاركة وعقد الاتفاقيات أو الصفقات مع حكوماتها أو حتى عهود الصداقة مع مواطنيها، والأهم من هذا وذاك محاولة تخليد اسمها وأسماء المنظمين لتلك المحافل في صفحات التاريخ العالمي كمرسخين لأهم القيم الرياضية الرفيعة والمبادئ الانسانية الراقية.
ولكن حفل افتتاح الأولمبياد في باريس الحافل بالرذائل قد نقل إلينا أغرب الرسائل:
وأولها وأغربها منع فرنسا من إظهار إمكانياتها الحقيقية كدولة من دول العالم الأول وقمع أبنائها المبدعين عن تجسيد قدراتهم المتطورة للسماح لأكثر الناس انحطاطاً وشذوذاً أن يجسدوا أوسخ القيم في أرقى حدث رياضي؛ وهذا ما دفع نائبة في البرلمان الفرنسي إلى استنكار ما جرى وإعلان تبرئها منه ونفيها تمثيله لفرنسا، وربما وجدتها فرصة لها لتوجه رسالة سياسية غريبة حين اتهمت أقلية يسارية وحمّلتها مسؤولية ماجرى.
وثاني أغرب رسالة جاءت من محاولة تشويه صورة العشاء الأخير، والذي ُسمّي بهذا الاسم لأنه آخِر عشاء تناوله السيد المسيح مع تلاميذه قبل أن يسلمه أحدهم إلى من لم يعجبهم تخلي الناس عنهم لاتّباعه حتى في مسيرته إلى مكان صلبه لأنهم وجدوا عنده ما يشفي عاهات وأوجاع أجسادهم وأرواحهم ويمنحهم ما يغذي الأولى بالخبز والسمك وما ينعش الثانية بالحكمة العميقة النقية من شوائب التفسيرات والتأويلات.
وقد وجه الرسالة أولئك المثليون والعراة قائلين: نحن في غنى عن معاني الحب والصداقة اللتين تجسدتا بين يسوع وتلاميذه والتسامح الذي أظهره مع من سلمه حين عاتبه على اتخاذ أرقى وسيلة للتعبير عن الوفاء لجعلها اداة للخيانة قائلا: "أبقبلة تسلمني؟"، بل والتواضع الشديد حين غسل أرجل تلاميذه بعد العشاء وخدمهم بنفسه أثناءه واستعاضوا عنها برقصاتهم المبتذلة وايحاءاتهم الجنسية المرفوضة بما فيها من قيم قذرة ومنحطة.
وقد خابت محاولتهم في تشويه صورة ذلك العشاء الرمزي المقدس بدليل ردود الفعل العالمية الغاضبة والرافضة لفعلتهم الدنيئة التي انتشرت على مواقع التواصل وفي وسائل الإعلام وبين الناس، والتي كان أبرزها الطوفان البشري الضخم من مسيحيي فرنسا ذاتها الذي خرج ليندد بالإساءة الدينية والأخلاقية.
وثالث رسالة غريبة إنما وجهها منظمو الحفل الأغبياء إلى الأجيال الجديدة في فرنسا أو خارجها ممن يحلمون ويسعون للوصول إليها تقول: انتبهي ايتها الأجيال! فهذا ما ينتظرك في المستقبل. ويا له من مستقبل إن اكتفى الغاضبون بمسيرات التنديد بمن أساء والصلاة والتأييد لمن أسيء إليهم.
أما رابع رسالة فاسمحوا لي أن أوجهها إلى السلطات المسيحية الكنسية على اختلاف طوائفها ومستوياتها لأقول لهم بدهشة وعتب: رغم إيماني بقوة إلهي في التغلب على كل محاولات التشويه لكنني أستغرب فعلاً من ردود أفعالكم التي لم تتناسب أبداً مع هذا الحدث الجلل الذي لا يهدد أجيالنا المسيحية فحسب بل يهدد أجيال كل الدول التي تسعى إلى ضمان حياة حرة نقية لها تتمتع فيها بالسلام والرياضة والأمان.
والخلاصة وعذرا للإطالة: حفل افتتاح أولمبياد باريس فاشل بكل المقاييس رغم الحرص على إقامته على نهر السين بطريقة جديدة بعيدة عن نمطية الملاعب، واذا لم تكن الردود عليه متناسبة معه في القوة والتأثير على أرض الواقع بما يقمع غيره من محاولات التشويه فسوف نكون أمام كوارث حقيقية ستسبب الدمار النهائي للبشر.