في الرابع من آب 2020، توقفت عقارب الزمن عند الساعة السادسة وسبع دقائق مساءً في العاصمة اللبنانية، بيروت. كان النهار قد بدأ يتلاشى تدريجيًا، ليحلّ مكانه ليلٌ مظلمٌ ممزوجٌ بصوت انفجارٍ ضخمٍ هزّ الأركان وأحدث دمارًا لم تعهده المدينة من قبل. انفجار المرفأ، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وجرح الآلاف، لم يكن مجرد حادثةٍ عابرةٍ، بل كان نكبةً حقيقيةً تسببت في تدمير المنازل، وتشريد العائلات، وتحطيم الأحلام.
في ذلك اليوم الأسود، مزقت قلوب شوارع بيروت وتطايرت الأحلام في الهواء، تلاشت في دخان الانفجار الذي غطى السماء. أطفالٌ فقدوا براءتهم وعائلاتٌ فقدت أعزّ ما تملك، حيث ترك الانفجار أثراً لا يمحى من الألم والفراق. لقد كُتبت قصص الألم بالدماء على جدران المدينة، وامتزجت دموع الفراق مع رماد الدمار.
بيروت، تلك المدينة التي عرفت دائمًا بالصمود والتحدي، تواجه اليوم تحديًا أكبر من أي وقت مضى. فما حدث لم يكن مجرد انفجار، بل كان انهيارًا للأحلام والأمل في مستقبل أفضل. ورغم ذلك، من تحت الرماد، ينبعث الأمل من جديد، فبيروت لن تُكسر بسهولة.
الحكومة اللبنانية، التي كانت مسؤولة عن تخزين نترات الأمونيوم بشكل غير آمن في مرفأ بيروت، فشلت في حماية شعبها وتأمين سلامته. هذا الانفجار كشف عن عمق الفساد والإهمال في النظام السياسي والإداري في لبنان. وعلى الرغم من التحقيقات والتقارير، لم تتم محاسبة المسؤولين الحقيقيين عن هذه الكارثة حتى الآن. هذا الوضع يثير غضبًا واسعًا بين اللبنانيين ويزيد من شعورهم بالإحباط والخيبة. ولكن، في وسط هذا الألم العميق، ظهرت ملامح التضامن والقوة بين أفراد الشعب اللبناني. فالأهل والجيران تطوعوا لمساعدة بعضهم البعض في إعادة بناء المنازل المدمرة، وتقديم الدعم النفسي والمادي للمتضررين. كما أن العديد من المنظمات المحلية والدولية سارعت إلى تقديم المساعدة، ما أعاد بريق الأمل في قلوب الكثيرين.
إن النهوض من تحت الرماد ليس بالأمر السهل، ولكنه ممكن بفضل الروح القوية والمثابرة التي يتمتع بها الشعب اللبناني. فالإصرار على إعادة بناء المدينة ورفض الاستسلام للدمار هو ما يجعل بيروت مميزة. فكل حجرة تعاد إلى مكانها، وكل جدار يُرمم، يمثل خطوة نحو التعافي والتجدد.
بيروت لن تنسى أبدًا!
يا بيروت، لن ننساكِ أبدًا. سنحمل جراحكِ في قلوبنا، وننهض معًا لنصنع مستقبلًا أفضل. هذا الانفجار يجب أن يكون تذكيرًا دائمًا بالنضال والصمود، ونداءً للتغيير والإصلاح. فالنظام السياسي الفاسد يجب أن يتغير، ويجب أن تكون هناك محاسبة حقيقية للمسؤولين عن هذه الكارثة.
على المجتمع الدولي أيضًا أن يدرك حجم المأساة التي تعيشها بيروت، وأن يواصل تقديم الدعم اللازم للشعب اللبناني. فالضغوط الخارجية يمكن أن تكون عاملًا مساعدًا في دفع الحكومة اللبنانية نحو الإصلاح وتحقيق العدالة للضحايا.
بيروت، المدينة الجريحة، لن تبقى دائمًا في هذا الوحل. بفضل عزيمة سكانها وحبهم لمدينتهم، ستنهض من جديد. فالروح اللبنانية التي تتحدى الصعاب، والتي تستمد قوتها من ماضيها العريق، ستظل دائمًا قوة دافعة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
إن ما حدث في الرابع من آب لا يمكن نسيانه، ولكنه يمكن أن يكون نقطة تحول نحو تغيير حقيقي. إذا تمكنا من تحويل الألم إلى قوة، والفراق إلى دافع للتغيير، فإن بيروت ستظل دائمًا رمزًا للصمود والتحدي. فالمدينة التي نجت من الحرب والدمار عدة مرات، ستنجو مرة أخرى وتستعيد مجدها.