نعيش في مجتمعنا اللبناني والعربي، وقد اعتدنا الشعارات والادّعاءات في كل القضايا الاجتماعية والسياسية. في لبنان، وكالكثير من الدول العربية، لرجال الدين كلمة قوية، كلمة تؤثر، ليس بالضرورة أن تؤثر في عقول الناس، بقدر ما تؤثر على نتيجة كل قضية وكيفية حلها. واعتاد السياسيون على تقديم حجج وبراهين طائفية. كل ما يحصل من مشاكل أو ظلم أو قهر أو حرمان من حقوق، يبرر السياسيون أفعالهم، أو بالحقيقة، عدم فعلهم شيئاً، بالدين والطائفة، وكأنهم موكلون من رسل الأديان مباشرة، أو أنهم يفهمون الدين أكثر من الناس العاديين.
وفي مجتمع فوضوي وبلد متفلت، في مجتمع شرقي غربي، الضحية الأولى هي الطفل والضحية الثانية هي المرأة. دومًا نسمع عما يسمى بـ"القانون الموحد للأحوال الشخصية". هذا القانون، الذي سيعامل اللبنانيين واللبنانيات كـ"إنسان" وليس كشيعي أو سني أو كاثوليكي أو أي طائفة أخرى. في حالات الزواج، الطلاق، وفي حالات وقضايا اجتماعية وشخصية أخرى، يجب أن يحمي هذا القانون، ليس المرأة والطفل فحسب، بل الإنسان بشكل عام، حيث يعطي كل فرد حقه ويجبر كل فرد على تأدية واجباته تجاه الآخر.
مثلًا، في حالات الطلاق، في أي كون نعيش حتى تقرر كل محكمة دينية بحسب هواها وبالطريقة التي تريدها؟ لو أن الدين يطبق فعلًا، لكانت المحاكم الدينية في لبنان مثلاً أعلى للعالم. لكن عندما ننظر إلى المجتمع، ونجد اللاعدالة واللامساواة سائدتين، نستنتج أن الدين لا يطبق بالشكل الصحيح. ما يطبق بالحقيقة، هو الرشاوى والواسطات. ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين يحرمون من أمهاتهم؟ ويأخذهم آباؤهم إلى منازل جداتهم وعماتهم، أو أيا كان، ولا يكترث الآباء لهم، المهم.... ألا يكون الطفل مع أمه. حتى في حالات الطلاق التي لا يكون فيها أطفال، ما ذنب المرأة أن تترك بلا ضمانات ولا حقوق، والقاعدة تكون: الطلاق مقابل عدم أخذ شيء!
هذا فضلاً عن زواج القاصرات والأعداد التي ما زالت موجودة في مجتمعنا، وكأننا لا نعيش في زمن، يفترض أن يكون زمن "الانفتاح" و"العولمة".
ملف آخر يطرح وهو"الزواج المدني"الذي يرمي كل رجل دين في لبنان اللوم على غيره بعدم إقراره وتشريعه. وبالحقيقة، الجميع مستفيدون لأن الزواج والطلاق في المحاكم الدينية ليس مجاناً وله عائدات مالية كبرى على المحاكم.
برأيي الشخصي، الزواج المدني ليس فقط حاجته في أن يكون بين اثنين من طائفتين مختلفتين. الزواج المدني يجب أن يكون بين أي اثنين، حتى لو كانا من ذات الطائفة. فهو يحمي حقوق كل طرف، وهو عقد مبني على التفاهم والعدل والمساواة، والأهم، أنه مبني على قانون الحق والواجب. في الدين الإسلامي الصحيح، إن أهم مبادئ الزواج هو العقد والشاهدان والإشهار. وبالزواج المدني، هناك عقد وهناك شاهدان.
لم تولد المجتمعات الغربية متطورة ومنفتحة. لم يكن الغرب أكثر تطورًا من الشرق. كتب الكاتب الإيرلندي الشهير "جايمس جويس" أقصوصة "إيفلين" التي توضح رعب المرأة في الغرب من الرجل ومن الكنيسة. وكتبت الكاتبة البريطانية، "شارلوت برونتي"، رمز الأدب الإنجليزي وأيقونته الحرة، رواية "جاين إير" التي تعبر عن ظلم الكنيسة وتحكم الأفراد بالأفراد، وعدم المساواة تجاه المرأة الذي يؤدي إلى البؤس والموت. وهذه الرواية، أصبحت رمزا للحرية والعدل والمساواة. حتى روايات وكتابات "شارلوت برونتي"، لم تُعرف أنها صاحبتها إلا بعد موتها. فهي كانت تكتب مستخدمة اسم "رجل" وهمي، لأن المرأة آنذاك، في العصر الفيكتوري في بريطانيا، كانت ممنوعة من أن تكتب. هكذا كان شكل المجتمع الغربي عندما كان المجتمع العربي أكثر تطورًا وانفتاحًا.
الفرق بين المجتمعين، هو أن الشعوب الغربية، ومن شدة الظلم، انتفضت وغيرت واقعها، أما العرب، فمع الأسف، من شدة الحروب، يعودون إلى الوراء. وهناك جملة شهيرة تقول إن: "ما لم تستطع أن تفعله فرنسا في بلدها، فعلته في لبنان". وهذا يعني تحكّم رجال الدين والسلطات الفاسدة بالناس. لم ننتفض بعد على واقعنا، ولم نحرر أنفسنا من احتلال عالمي دام لعهود.
هذا ما يحصل عندما يكون الجميع فوق القانون. نعيش أفرادًا تتنازع والقوي يؤذي الضعيف، وتكون الدولة متواطئة مع كل ما يظلم الشعب. ويبقى القهر قهرًا، والظلم ظلمًا.