النهار

هل يصنع التوتر في الشرق الأوسط روزفلت جديداً؟
المصدر: النهار - صبري الرابحي - تونس
هل يصنع التوتر في الشرق الأوسط روزفلت جديداً؟
لم يكن الصراع ليأخذ شكله الحالي لولا تهوّر الكيان الصهيوني في ما يراه اقتصاصاً من إيران ومن حركة حماس بعملية قصّ جناحها السياسي الوازن والذي يمثّل ركناً أساسياً لتوازن الرعب الذي أخذ في التشكّل خلال الفترة الأخيرة
A+   A-
لم يكن الصراع ليأخذ شكله الحالي لولا تهوّر الكيان الصهيوني في ما يراه اقتصاصاً من إيران ومن حركة حماس بعملية قصّ جناحها السياسي الوازن والذي يمثّل ركناً أساسياً لتوازن الرعب الذي أخذ في التشكّل خلال الفترة الأخيرة.
إغتيال إسماعيل هنية في طهران بالذات فضلاً عن كونه إعتداءً سافراً على السيادة الإيرانية، فإنه كان بلا شكّ تقويضاً ممنهجاً للخطّ السياسي لحركة حماس عبر رئيس مكتبها السياسي المغدور.
يوماً بعد يوم يتأكد بما لا يدع مجالاً للشكّ أن الصراع يتوسّع في اتجاهات لا يمكن تحديدها، بل إنه شكّل فرصة تاريخية للاعبين جدد أصبح تأثيرهم مفصلياً في مزيد توسّع الصراع.
دخول روسيا على خطّ التوتر:
كشفت الساعات القليلة الماضية عن وصول سيرغي شويغو الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي إلى طهران في زيارة تحمل في طياتها تفاصيل مهمة حول دخول روسيا إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط.
هذه الزيارة كان عنوانها الأبرز هو تدارس الردّ الإيراني ودعمه لوجستياً وعسكرياً، حيث لا يخفى على أحد أن التقارب الروسي الإيراني يحمل في طياته حضوراً مهماً لتحالفات جديدة فرضتها المرحلة.
إيران في إدارتها للصراع تضغط بتحالفاتها الاستراتيجية وامتداداتها في المنطقة في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان. أما روسيا فتحاول فكّ العزلة المفروضة عليها من طرف من يدعون إلى أخلقة حربها على أوكرانيا ويغضّون الطرف عن عربدة الكيان الصهيوني في فلسطين والمنطقة برمتها.
الموقف الأميركي من تصاعد التوتر:
كان الهجوم الأخير على قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غربي العراق فرصة ذهبية ليتقاطع هاجس الأمن القومي للولايات المتحدة مع إسرائيل.
هذا الهجوم الذي تنسبه الولايات المتحدة إلى تنظيمات تابعة لإيران في العراق، كان فرصة لوزيري الخارجية الأميركي والإسرائيلي ليؤكدا في معرض تناولهما للظرف الحرج على أنهما في خندق واحد يستدعي تعاونهما، مؤكدين على تلازم المساعي لتأمين مصالحهما في المنطقة مما يرونه تهديداً للأمن القومي المشترك. هذا الخبر يكشف أيضاً عدم تبني الولايات المتحدة الأميركية لخطاب التهدئة أو حتى إحياء مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة والتي يمكنها تخفيف التوتر. هنا يمكن القول إذن أنها تدفع نحو الصدام والمواجهة التي لا تحجب الجانب المصلحي في هذا الموقف.
تأثير التوتر: التاريخ يعيد نفسه:
في علاقة بالتوتر القائم في الشرق الأوسط وفي علاقة بارتفاع أسعار النفط وحالة الركود التي يعيشها الاقتصاد الأميركي عقب يوم الإثنين الماضي الذي أطلق عليه خبراء الأسواق المالية إسم الاثنين الأسود، يعود إلى الأذهان الخميس الأسود الذي كان المحرك الأبرز لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية واستثمار نتائجها لتبني سيطرتها على العالم.
الرئيس فرانكلين روزفلت كان ولا يزال بطل النهوض الاقتصادي في التاريخ الليبرالي للولايات المتحدة الأميركية عقب أزمة سنة 1929، لكن أداءه في البيت الأبيض بداية من منتصف الثلاثينيات كان يحمل في طياته الوجه الجديد لإمارة الحرب الأميركية.
حالة الركود الاقتصادي في عهد رئيسها الثالث والثلاثين شجّعت الولايات المتحدة الأميركية على الاستثمار في الحرب من حيث صناعة وتصدير الأسلحة وتأجيج النزاعات، وكانت النتيجة هي إنهاك اقتصادات الدول والخروج بمشروع مارشال فيما بعد الذي استطاعت من خلاله بناء اقتصاد عالمي أو لنقل نظاماً عالمياً جديداً احتفظت لنفسها بوضع ملامحه وتصوراتها في ما نتج عنه الباكس أمريكانا.
فرانكلين روزفلت جديد في الأفق:
الحديث عن سياسات روزفلت يجرنا إلى المقارنة مع مجريات الأحداث اليوم، حيث تستطيع الولايات المتحدة الأميركية الاستثمار ككل مرة في الصراعات متعددة المحاور على مجالات بعيدة عنها وتستطيع أكثر من ذلك التكفل بالتسليح وإدارة الصراع من وراء حلف الناتو وحلفائها التاريخيين.
اليوم ومع الحديث عن "ساعة القيامة"،  تبدو المرحلة ملائمة لخطاب النهوض الاقتصادي من أنقاض الحرب على غزة ومثيلاتها إن وجدت في مربع الصراع. فالولايات المتحدة الأميركية تداوم ككل مرة على خطاب معادٍ لإيران وتنظيمات المقاومة في دول المحور والتي لم يعد يخفى دعم روسيا لها. لتستطيع من خلال هذه المواجهة المرتقبة استنزاف العملاق الروسي وحصره في المجالات الآمنة التي تمتدّ إليها هيمنتها العسكرية.
منطقياً قد تستعجل الحديث عن أمن إسرائيل وأهميته، لكنها ستدفع حتماً نحو المواجهة لتصبح رائدة إعادة الإعمار ودفع اقتصادها الوطني بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان على حساب الشعوب والإنسانية كما تفعل في كل مرة.
فهل سيكون روزفلت الجديد من معسكر الديمقراطيين تماماً كالنسخة الأصلية منه، أم سيكون جمهورياً يكشف خطابه الشعبوي عن تطرّف غير مسبوق كما يفعل دونالد ترامب في أصعب اللحظات التاريخية التي نعيشها اليوم.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium