النهار

خلف ستار الضباب
هناك خلف الضباب أهرول مسرعاً حينما يتعبني هذا العالم وسكانه وضوضاؤه
A+   A-
هناك خلف الضباب أهرول مسرعاً حينما يتعبني هذا العالم وسكانه وضوضاؤه. هناك في ذلك المكان البعيد القريب أسدل الستار على كلّ من حولي لأغدو في موطئ روحي الأمين الهادئ، حيث أسير بفرح وبشوق إلى ذاتي وإليك. أسير بسلام وسكون بين ورود مشاعري، أداعب وريقاتها بلمسات الحنين، وأتنشق ماضياً راقياً يوم زرعنا حديقة حبّنا معاً، وغرست يداك زهور رابط روحنا بعناية فائقة، وسقيتها باهتمام من دموعي ونبضات فؤادي، فنَمت وغدت من أروع جنائن الحبّ الوجدانيّ في تاريخ الأرض. لكن وفي لحظة قاتلة هبّت أعاصير نارية قصفت صاعقة من نار البشر موطننا فقسّمت مروجنا الجميلة وجعلت ما بيننا وهاداً عميقاً ساحقاً، وفرّقت ما بيننا ظلمة حالكة أبعدت عينيّ عن عينيك، وجعلت ما بيننا حاجزاً صلباً من الخوف والقلق والألم. عواصف من الهموم مزقت أشرعة حبّنا وجعلت أمواج التفرقة تشلّع أضلعنا حتّى أضحى الجفاء والهجر طريقها الوحيد.
تركتها بصمت صاعق زلزل كياني في السرّ لأجل سلامها، ودون أن تدرك مدى الخراب في أعماقي. ولكن بقيت غمار من ورد روحها حية، استمرّت روحي في حمايتها والانتباه إليها. وكلما اشتقت إليها أداعبها فيفوح عطرها حياة في فؤادي ويتدفّق الدم والأمل في عروقي فأعود كما عرفتني فتى قوياً شجاعاً مبتهجاً يلاعب العالم بأجمعه على أصابعه بخفّة وثقة. تمرّ الأيام والسنون وأنا أحيا على مبادئ حفرناها معاً في قلبينا وباتت وصايا مقدّسة في حياتنا، وأضحى مكان تلاقينا في الماضي معبداً لروحنا مزيّناً بورود حبّنا العظيم، تفوح من أرضه شذى الصدق والتضحية ومن سمائه بخور الطهارة والإيمان برابط لا مثيل له في المجتمعات البشرية كلّها، فكيانه وأساسه لا يزولان لأنهما ليسا من هذا العالم الفاني. كلّما التجأت إليه وأسدلت ستار الضباب عن الدنيا يتفجّر من قلبي نبع المشاعر وترتوي النفس فأغدو متعباً، ويزخر مداد قلمي بحروف من قلبي لا تنتهي.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium