النهار

التواصل الاجتماعي في زمن الحرب المتصاعدة... أداء متعثر وانحسار مباغت
المصدر: النهار - قاسم محمد العزير
التواصل الاجتماعي في زمن الحرب المتصاعدة... أداء متعثر وانحسار مباغت
كان لا بدّ للحرب القائمة على الجبهتين الجنوبية والشمالية لفلسطين المحتلة، والمهددة بالتوسّع لتطال منطقة الشرق الأوسط بكاملها
A+   A-
كان لا بدّ للحرب القائمة على الجبهتين الجنوبية والشمالية لفلسطين المحتلة، والمهددة بالتوسّع لتطال منطقة الشرق الأوسط بكاملها، من أن تفرض نفسها ومعاييرها على مختلف مرافق الحياة في المنطقة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في مقدمها. اختلف المناخ المهيمن على أداء تلك الوسائل ليدفعها باتجاه مغاير لسلوكها المبدئيّ، حيث استعادت شاشات التلفزة مكانتها وسطوتها، وكان على الحسابات الافتراضية أن تلهث خلفها لتنقل عنها ما تبثه من تغطية مباشرة سعياً وراء مواكبة الحدث الساخن والمرشح إلى مزيد من السخونة بصورة ليست متوقعة، وبتوقيت غير محسوب.
اختفت الوجوه التي كانت تهيمن على التطبيقات المختلفة، كما تغيرت العناوين الرئيسية، وحتى الفرعية التي كانت تحدد مواضيع ومحاور اهتمام التواصل الاجتماعي. أخلت التفاهة والسماجة والاجترار اللفظي أمكنتها مفسحة في المجال لتحديثات سريعة الإيقاع، تضع الناس على تماس لحظوي مع المستجدات الأمنية والتطورات السياسية، وتدخلهم في أجواء صناعة القرارات المصيرية، التي ستترتب عليها نتائج حاسمة، ترسم الغد الجماعي لمنطقة شاسعة ولجماعات بشرية واسعة. حصل كل لك في لحظات فائقة الأهمية تتولى صناعة المستقبل وربما لمدى زمني طويل.
أمكن للأحداث المتسارعة أن تظهر هشاشة الصيغ التقليدية المتداولة في مجال التواصل الاجتماعي، وعجزها عن مواكبة القضايا الجدية التي تحتاج إلى استيعاب لحقائق مفصلية، والدخول في متاهة التحليل المعمق، لإدراك خفايا المرحلة ومتطلباتها الواقعية؛ وهو ما لا تستطيعه المقاربات الهزليّة التي حاولت فرض نفسها طويلاً على المتلقّين كموادّ جديرة بالاهتمام وصالحة للنقاش. ثمّ انكشفت على حقيقتها فجأة بوصفها مجرد ألعاب صبيانية فارغة من أيّ معنى، وقاصرة عن أيّ تأثير.
ظهرت المسافة شاسعة بين التطبيق الاجتماعي في الأمس ومكافئه اليوم. بدا كما لو أنه طفل مشاغب، تعيّن عليه أن يكبر فجأة، فعمد إلى إجراء تعديلات على ملامحه بحثاً عن مظهر أكثر جديّة ووقاراً. لكن كثيرين من أركانه المفترضين ظلّوا قاصرين عن التحوّل إلى جزء من المرحلة المفتوحة على كثير من السّخونة.
من أعجزه التجاوب مع المستجدات من رواد "السوشيل ميديا" آثر الانسحاب حرصاً على ما تبقى من ماء في الوجوه الشاحبة. فجأة، لم يعد المكان ملائماً لعبث الصغار وشغبهم، بعد أن كان الظن أنهم امتلكوه لما تبقى من العمر. على الأرجح أنّ بعض هؤلاء العابثين تمنّوا لو أنّ لديهم بعض الإلمام بالحقائق الفاعلة والمؤثرة في تشكيل العالم من حولهم، فلربما كان يسعهم حينها أن يحتفظوا بمقاعد لهم في خلفية المشهد المهدّد باشتعال خطير.
الحرب المستعرة أقصت التواصل الاجتماعي عن كونه وسيلة ربح مادية، بدت مضمونة للبعض ممن تمرّسوا في اللعبة، ونزعت عنه أحد أهم عناصره المؤثرة. البديهي أن الأمر لا يعني نهاية تراجيدية، وأنه لا يتخطّى كونه فقداناً مرحلياً لدور يمكن استعادته مستقبلاً. لكنّه مؤشر صارخ على أن الصفة التمثيلية التي كان يدّعيها أهل التواصل الاجتماعي لأنفسهم كانت انتحالاً مزيّفاً لم يستقِم أمام أول استحقاق جدّيّ.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium