النهار

من الأناقة إلى التفاهة؟؟؟
المصدر: النهار - الاب ايلي قنبر
من الأناقة إلى التفاهة؟؟؟
تبيّن لنا أنّ أعدادًا كبيرة من الناس لا تُبالي بِما يَحصل من جرائم بحقّ الإنسانيّة [لكَونها تعيش في عالم مُقفَل بإحكام على "منطقة الراحة" خاصّتهم
A+   A-
1."فهو عاملٌ نشيط في تطبيق الشريعة لكنَه كسُول في سَعيه إلى الحياة الأبدية"[ القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ (150 - نحو 215).].
في مقالة الأسبوع المُنصرِم، كان لنا كلام حول الالتزام وما ينتج عنه من خَيرات لـ"كثيرين". لكنّ الالتزام يتطلّب رؤية وخطّة وجهودًا، فيَستَحيل عملًا جبّارًا لصالح المُستَضعَفين.
وتبيّن لنا أنّ أعدادًا كبيرة من الناس لا تُبالي بِما يَحصل من جرائم بحقّ الإنسانيّة [لكَونها تعيش في عالم مُقفَل بإحكام على "منطقة الراحة" خاصّتهم، ولا تشعر ﭔ"المعَتّرين بكلّ الأرض"[ راجع أغنية"أنا مُش كافر" لزياد الرحباني، وفيها: "المعتَّر بكلّ الأرض دايمًا هُوّي ذاتو".]]؛ وبعضهم الآخَر أصابتهم تلك الجرائم ولا يَعترضون ولا يَنبسون ببِنت شفَة. الفئة الأُولى منهم إلَهُهُم المال وما يرتبط به من أطايِب وملذّات دُنيَويّة وبورصة وسُلطة وفحش أخلاقيّ في كلّ المجالات. والفئة الثانية هُم الجهلَة (الأُمِّيُّون فكريًّا) والجُبناء والمُستَسلِمون.
نجد في مُجتمعاتنا مَن يدَّعون الصلاح ويتَحَدّون سِواهم ممّن يعيشونه بِلا تبجُّح وبِلَا عراضات. ذلك أنّ مُجتمعاتنا قد ضربتها التفاهة[Alain Deneault, La médiocratie , Montréal, Lux, 2015, 221 p. ]، إلى درجة أنّ "التافهين استَولوا على السلطة" على ما كشَف آلان دونُو (Alain Deneault). وستَرون أنّه على حقّ إذا نظرتُم من حَولكم سواء في شمال القارة الأميركيّة أو في غرب وبعض شمال أوروپَّا أو في الخليج العربيّ أو في الشرق الأدنى، وحتّى على مستوى رجال الدِّين[ ذهب المفتي مُصطحِبًا مُعاونيه من مُفتي المناطق إلى السعوديّة قبل أيّام لتَطويعهم. وقد مُنيَ بالفشل لأنّ المملكة لن تُفرج عن مالها في لبنان. ] والإكليروس.
مَن هُم التافهون[ في منتصف سبعينيّات القرن العشرين صدَر كتابٌ بعُنوان: "هؤلاء المَرضى الذين يحكمون العالم"(1976)Ces malades qui nous gouvernent. وقد صدَر جزء جديد له في 1988 وفي 1996...] الذين يحكمون العالم؟
"هُم الذين يُعرضون عن الّأصالة والإبداع[ ينطبق الأمر بقداحة وغلاظة في المجال الدِّينيّ.]، وعن كلّ إعادة نظر بالنظًم الحِرفيّة والاجتماعيّة القائمة، وكبَتوا الحسّ النقديّ فَخِسِروه، هم الذين يَعتَلون عَرش المواقف الوسَطيّة[ وسطيّة نجيب ميقاتي، مثَلًا.] والعَقيمة والبِلَانَكهة -"مِن عِنّا وجُرّ"، أو بالأحرى وُصولًا إلينا[ إذ "جماعتنا" أُنزِلوا وفُرِضوا علينا عبر فريق التافهين المُهَيمِنين على المال والسلطة- والذين يُمسِكون الإعلام التَعمَويّ المُضلِّل ]. الأخطر أنّ هؤلاء لا يُستَبدَلون في مراكز القرار. إنّها "ثورة التخدير" التي تعتمد آليّة خبيثة بالتحديد: مثَلًا، العمل الجامعيّ تَقوده "نخبة ترفض كلّ نقد ذاتيّ"، و"الطموح الجامعيّ يَنزلق نحو مَنطق مِركَنتيليّ: يجب أن تكون الأدمغة في خدمة "الكارتيلات" أي أدوات بأيدي اللاعبين المُتحكِّمين بالعالم.
نعم، تُهَيمِن ثقافة التفاهة على الحياة اليومية للبشر "وتأخذ من جهد عُقولهم الكثير[ تجد الناس يقضون أغلب ساعات أعمارهم في جدال ونقاش وخصام أحيانا حول أجمل قميص وأفضل حذاء رياضي وآخر صيحات الموضة الرجالية والنسائية والشبابية وأجمل طلة يمكن أن تقدم بها نفسك للناس وأجمل بقرة أو ثَور في العالم". ]. "فالتفاهة تَنبت في الجَفاء وتَترعرَع في الابتِذال". أن يكون المرء تافهاً ذلك "يعني أنه سوف يَذوب ويتَحوّل إلى تفاهة سائلة مُتّسِقة مع تفاهة العصر". من هنا عنوان فيلم "لا تنظروا إلى السماء"[ They look at the sky من تمثيل جينيفر لورنس وليوناردو دي كابريو. الفيلم يعرض بأسلوب أقرب إلى الكوميديا تفاهة النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. قادة العالم يتّخذون قراراتهم لصالح الشركات الكبرى والطبقة العُليا فقط]، أي لا تتَطلّعوا إلى الأعلى في محاولةٍ لِلارتقاء بالمستوى الاجتماعيّ والثقافيّ والقِيَمي".
يَحلم الجميع بالسلطة ولكن لم تَعد السلطة... تُطلب لتقدّم وازدهار المجتمع. بل بِها "يغدو التافه النكرة رمزًا وقُدوة في المجتمع، لا بل صاحب الرأي والمشورة والسلطة والقَول"، أي الآمِر الناهي. بل صاحب السيادة في الدولة، إذ يوجِّه ثقافة المجتمع مع زُمرة من الإعلاميين التافهين حتّى يُحقّق التَطبيع[ في مجتمعاتنا العربية نجد انتشار رسائل الكراهية والعنصرية، والتديّن الزائف والطقوس الغريبة، واجترار الماضي في أكبر عملية تجهيل. ناهيك عن المواضيع والأطروحات الهابطة سواء في الاعلام الممنهج أو في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.] بين الفساد والمجتمع، فَتغدو الطيبة حمَقًا والخُبث عبقريّة وذكاء". لقد "أصبح العالم مُهدَّدًا بتَأبيد سلطة التفاهة". و"مما زاد في التسطيح وشُيوع الرداءة احتكارُ السلطة من قبل حُفنة من التافهين قرّروا وضع التفكير في الحَجْر الصحّي[ رسَم سَعد حاجو كاريكاتور في جريدة "السفير" في 28 ايّار 1994 جاء فيه:"التفكير ضارٌّ بالصحّة. نَنصحُك بالامتناع عنه".] خشية إصابة المجتمع بعَدوى التفكير".
وما هو أخطر أن تُصبح الصورة هي الوسيلة الوحيدة للتفكير، وأن تُصبَح الكتابة غريبة في العَصر الراهن وغدَت الكلمات مشرَّدة، تَبحث لها عن مأوي بين الأنامل، فلا تجد. فقد احتلّت الصورة كلّ المواقع". لنتذكَّرَنَّ: "الكلام سرّ الإنسان. إذ يُمكن للكلمات أن تَرتقي، فتُصبح حديثًا؛ أو تَتدنّى فتُصبح ثرثرة". هنا يبرز دَور القادة في لعِب دور للارتقاء بمُجتمعاتهم.
2.أَيُّها ٱلمُعَلِّمُ ٱلصّالِحُ، ماذا أَعمَلُ لِتَكونَ لي ٱلحَياةُ؟
جاء مرّةً شابٌّ سائلًا يسوع: "أَيُّها ٱلمُعَلِّمُ ٱلصّالِحُ، ماذا أَعمَلُ مِن ٱلصَّلاحِ لِتَكونَ لي ٱلحَياةُ ٱلأَبَدِيَّة؟" ولأنّ يسوع كان مرجَعًا في شؤون الحياة لجأ إلى الأسلوب التوليديّ ليجعل الشابّ سيّد مصيره. لكن تبيّن له أنّ الشابّ "... كسُول في سَعيه إلى الحياة"[ "الحياة الأبديّة هي أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدَك، والذي ارسلته يسوع المسيح"(يوحنّا 17: 3)]، والدليل: "فَلَمّا سَمِعَ ٱلشّابُّ كَلامَ (يسوع) مَضى حَزينًا، فَإِنَّهُ كانَ ذا مالٍ كَثير"[ إِن كُنتَ تُريدُ أَن تَكونَ كامِلاً، فَٱذهَب وَبِع ما هُوَ لَكَ وَأَعطِهِ لِلمَساكين. فَيَكونَ لَكَ كَنـزٌ في ٱلسَّماء. وَتَعالَ ٱتبَعني".].
كتَب عُمر سلمان[ الحُرّة، 16ديسمبر 2022]: "في الأحوال العاديّة يتعامل الإنسان مع الحياة كما لو أنها منفصلة عنه. فهو يتصوّر أن هناك "إنسان" وهناك "حياة... وهذا من أثر التنشئة والتكييف العقليّ". لعلّه من النادر أن ينظر الإنسان إلى نفسه، "لأنه حينها سوف يضطرّ إلى تحمّل مسؤوليّة حياته بما تَشمله من خَيارات وقرارات. والإنسان استَسهل نمَط[ بالأحرى بكون قد عوّد دماغه على نمَط، فيَصير صعبًا عليه مُعانَدة ما اعتاد دماغه عليه] التوكُّل، إذ من الأسهل دائمًا أن نترك المسؤوليّة إلى آخرين يحدِّدون لنا ما يجب أن نَفعله وما لا يَجب. هذا حال الأكثريّة من سكّان الكَوكَب الكسُولين في السَعي إلى حياة الجودة(ISO). غير أنّه في الحالات السَويّة "للحياة معنى[7محمّد الداهي، حياة المعنى: التدبير السيميائي لمعنى الحياة] في مُمارساتنا اليوميّة يُحفِّزنا على تحقيق مشاريعنا الشخصيّة والجماعيّة، ومًقاومة ما يُحبط ويُثني هِمَمنا وعزائمنا، وتعزيز ما يُعيد إلينا الثقة بأنفسنا، ويردّ الاعتبار والكرامة لنا، ويحسّن شروط عيشنا".
لَم يَقبل يسوع البتّة أن يَستِلب الناس أو يغشِّهم أو "يُخدِّرِهم"[ بحسب نظام التفاهة المذكور في النصّ.] لاستِغلالِهم والسَيطرة عليهِم. كان يسأل مَن يأتي إليه: كيف تقرأ ؟ كيف ترى؟ هل تُؤمن؟ هل تُريد؟
من هنا سؤال يسوع مُجدَّدًا: "متى جاء ابنُ الإنسان، هل يجد الإيمان على الأرض؟"[ لوقا 18: 8 .].





















الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium