نحن من يقف عائقاً أمام تطور أنفسنا، ونوهم بل نقنع أنفسنا ونضع المبررات والحجج الواهية، لا لشيء بل لنستمر في الغوص أكثر فأكثر في قتل ذاتنا بإعدام بطيء، والأنكى من ذلك نحسد كل ناجح ولا نفكر ولو لبرهةٍ بأسباب هذا النجاح، وكم تكبد من مشقات وكم حارب من صعوبات ليصل إلى هذا النجاح الذي لا ندرك خلفياته إطلاقاً، بل نهتم بالظاهر، وكما نعلم فإن الظاهر والمظاهر خدّاعة في أغلب الأحيان.
تقوقعنا مرهونٌ بتقاعسنا وعدم تحررنا من عقدنا الدفينة التي تسيطر علينا وتأسرنا بوهم خادع غير مرئي ولا نشعر كيف يقوم بسحبنا نحو القاع رويداً رويداً، ونحن مستسلمون له بإرادتنا متوهمين أنه طوق النجاة وبر الأمان... وفجر الخلاص لفسحة الأمل المنشودة.
واحسرتاه على عمرٍ مضى ونحن نرتجي التغيير. ونحن لم نتغير وننتظر العبور. وما تحركنا، ننتظر الوصول وما ارتحلنا، واقعنا مرتبطٌ بنا بهمتنا بفكرنا وبسعينا، فإن لم نبادر، فلن نتقدم، وإن لم نتغير فلن نغير شيئاً ولو كان قيد أنملة.
ويبقى عزاؤنا كأعذارنا وهمٌ بوهم، نقتات لهاثنا كسراب صحراء يُخيل لنا أنها واحةُ غنّاء، ونبني عليها آمال وأحلام من محال، وعندما تحين ساعة الحقيقة المجردة تتحول الواحة إلى كثبان رمال جرداء لا تسمن ولا تغني من جوع.
البعض بل السواد الأعظم قد تسول له نفسه أن يبيعها لأجل أمور دنيوية فانية، ويتعمد التلهي بقشور وفلسفات كخيوط العنكبوت واهنة سرابية، فضعف النفس التي هي أمّارة بالسوء، وأمام مغريات شيطانية يقع ما لا تحمد عقباه وتزل القدم نحو الدرك الأسفل من طبيعة النفس الفطرية المجبولين عليها كبشر.
وهنا الخسارة تتضاعف إن لم تكون أضعاف الأضعاف دون أن نصل لإدراك النفس قبل فوات الأوان حيث هنالك لا ينفع مالٌ ولا بنون.
وأختم بقولٍ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه الشريف)
"النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنها
وإن بناها بشرٍ خاب بانيها".