جوليا هي الطفلة الفلسطينية التي فقدت والداها بعد شهر من أحداث السابع من أكتوبر. أكتب عنها اليوم لأنني لم أستطع نسيانها يومًا. تلك العيون البريئة والنظرات الحزينة التي لمست قلبي وسيطرت على عقلي جعلتني أتذكّر جوليا كلّ يوم وأتساءل: أين هي الآن؟ هل ما زالت على قيد الحياة، أم أنها استُشهدت؟ من يعتني بها بعد أن تيتّمت في سنّ الثالثة؟ أسئلة كثيرة تراودني. لكن هذه هي حال الطفل الفلسطيني عمومًا. بالنسبة إليّ، كلّ أطفال فلسطين هم جوليا. كيف لطفل لا يعرف شيئًا عن الحياة أن يفهم أنه قد تيتّم أو أن يستوعب فكرة الموت؟
ما لا يعرفه العالم الخارجي هو أن أطفال فلسطين، حتى قبل أحداث السابع من أكتوبر، لم يعيشوا حياة طبيعية. بالرغم من وجود العديد من المنظمات والحملات التي تدافع عن حقوق الطفل الفلسطيني، فإن معاناتهم واضطراباتهم النفسية باتت أمرًا يصعب على العقل البشري استيعابه. نحن في لبنان، كبارًا وصغارًا، عشنا معاناة سماع جدار الصوت، وكان لذلك تأثير كبير على حالتنا النفسية، فكيف لأطفال أبرياء لا يعرفون شيئًا عن الحياة أن يتعاملوا كلّ يوم مع مجازر تفوق قدرتهم على التحمل؟
بالنسبة إلى جوناثان كريكس، مدير الاتصالات في مكتب الـ«يونيسف» في فلسطين، يعاني الأطفال هناك من أعراض متزايدة مثل القلق المستمر، فقدان الشهية، وصعوبة في النوم، إلى جانب نوبات من الاضطراب العاطفي أو الهلع عند سماعهم لأصوات القصف. أطفال غزة يحملون في قلوبهم قوة وعزيمة تتخطّى كل الكلمات، ويحملون حلماً يستمر عبر الأجيال على الرغم من التحديات. حتى إن فقدوا أحدهم، يظلّ الحلم قائماً، لأنّ أطفال غزّة وفلسطين ليسوا كغيرهم، فالظروف فرضت عليهم أن يكونوا أبطالاً. يقفون لساعات طويلة في طوابير للحصول على أبسط الاحتياجات مثل الماء، من دون أن يظهر عليهم أيّ تذمّر. وفي أوقات العلاج، وبالرغم من تعرّضهم للقصف والإصابات، يبتسمون بصبر وينتظرون الطبيب بفارغ الصبر.
عندما سأل صحافي طفلاً فلسطينياً عن أحلامه، أجاب الطفل بكل بساطة: "نحن أطفال فلسطين لا نحلم بالمستقبل لأننا لا نعيش لأجله". وطفل آخر لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات عبّر عن رغبته في الاستشهاد لأنه يشعر بالجوع، ويعتقد بأن الجنة ستوفر له الخبز. كلّ طفل من أطفال غزة يحمل قصّة تستحق أن تُروى وتُخلّد، فهم ليسوا مجرد أرقام، بل يحملون أسماء وأصولاً وأحلاماً يجب أن تبقى في الذاكرة. بصمودهم في السابع من أكتوبر، قدّموا لنا نموذجاً للبطولة في كلّ معركة يخوضونها، وأعطوا دروساً في الصمود والتحدي.