القرية هي تلك البيوت الصغيرة المشيّدة بدفء قد انبعث من أيادي ساكنيها، فجعلها أجمل البيوت رغم بساطتها، وهي الطرق غير المعبَّدة على الأغلب لكنّها المحفوفة بالكرم والعطاء، وهي أيضاً ما تراه العين من مساحات خضراء تفصل بين البيوت دون أن تفصل بين قلوب أصحابها. ففي القرية يعرف الكل بعضهم، ويتكاتفون في أفراحهم ومآسيهم، ويتزاورون ويتعاونون فيرسمون أجمل صور التكافل الاجتماعي الذي يعوّض نقص المؤسسات الخدماتيّة فيها.
في القرية يتجلّى جمال الطبيعة؛ فترى السهول الخضراء تعانق بعضها البعض، فيما تزينها الورود الملوّنة، وتنتشر فيها المواشي والدواجن قبل أن تعود إلى مزارع أعدّت لها قرب بيوت مالكيها، وفي القرية يكمن دفء القرب وأصالة الأجداد رغم صغر مساحتها وقلّة السكّان، وكل ما ذكر اعلاه يتناسب مع مواصفات تلك القرية الصغيرة المتكئة على كتف الجبل المطل على البحر الأزرق.
هذه القرية لم تسلم من القصف المعادي الذي طال منازلها وزرع الخوف في قلوب كبارها وصغارها.
مرّت الايام، والشهور والفصول والحال واحدة. الحرب المدمرة مستمرة ولا من نافذة أمل تنذر بقرب توقفها.
لا شك أننا نعجز عن وصف ما نتج عن الحرب من دمار، فاليوم جميع القرى الأمامية خالية أو شبه خالية من السكان، فالغارات "الإسرائيلية" لا تميز بين كبير أو صغير، فالمجرم واحد والشهداء آحاد وآلاف للأسف...
البلدة التي طالتها الغارات "الإسرائيلية،" رسمت حكاية من حكايا الصمود. أهالي البلدة تحدوا القصف وبقيوا في منازلهم رغم الخوف الذي يخيم فوق بلدتهم وفوق الجنوب ككل. هنا يلجأ كل جار إلى جاره للترفيه عن نفسه وللتسلية في ظل قلة العمل، هنا حكاية عشق لمزارع أحب ارضه المنتجة، ولبحار أصبح كالسمكة لا يمكن أن يعيش بدون البحر.
على الرغم من جميع الأوجاع، وقبل بداية فصل الزيتون، بدت همة شباب تحدوا الصعوبات بجميع أشكالها، فقام شباب البلدة وبمؤازرة الأيادي البيضاء بمساعدة اصحاب المنازل المدمرة على استخراج ما تبقى من منازلهم، وإن كانت قطعة ثياب واحدة تعيد رائحة الذكريات المعطرة بأيام الفرحة الجميلة. هنا بات الحزن حالة دائمة وبالمقابل بات الفرح غائبًا أو شبه غائب.
هنا تكاتف الشباب، كباراً وصغاراً، من أجل إعادة تأهيل الطرقات غير المعبدة بسبب إهمال الجهات المعنية بظل الأزمة الاقتصادية القاهرة التي ضربت البلاد.
هنا شباب تحدوا حرارة الشمس الحارقة ونزلوا إلى الطرقات من أجل رفع جميع النفايات والعوائق في سبيل خدمة أهاليها وتحسين ظروفهم الحياتية.
عبر هذه البلدة وشوارعها، مضى النازحون قسرًا بعيدًا عن قراهم ومنازلهم، إلا أننا لا زلنا هنا بانتظار عودتهم إلى بيوتهم مهما طالت الحرب واشتدت التضحيات، فالعودة قادمة وآتية لا محالة.