النظام السياسي اللبناني يعاني من أزمة حادة تسببت في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. على مدى أكثر من أربعين عامًا، حكمت نفس الطبقة السياسية البلاد، والتي تُعرف بفسادها واعتمادها على الزبائنية السياسية والمحاصصة الطائفية. هذا النظام الطائفي الذي تأسس بعد استقلال لبنان عام 1943، قسّم السلطة بين الطوائف المختلفة، ما أدى إلى ترسيخ الفساد والمحسوبية على حساب الكفاءة والعدالة.
بمرور الوقت، أصبحت الدولة اللبنانية عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، ما أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي. فقد شهد لبنان في السنوات الأخيرة تدهورًا اقتصاديًا غير مسبوق، تفاقم بفعل الفساد المستشري وسوء إدارة المال العام. السياسات الاقتصادية الفاشلة أدت إلى تضخم الدين العام، وانهيار العملة المحلية، وسرقة أموال وجنى عمر المودعين، ما زاد من معدلات الفقر والبطالة.
النظام السياسي اللبناني لم يعد قادرًا على إدارة شؤون البلاد أو تلبية احتياجات المواطنين. بدلًا من ذلك، يسعى السياسيون إلى الحفاظ على مواقعهم في السلطة، ما أدى إلى تشرذم المجتمع اللبناني وزيادة الانقسامات الطائفية والسياسية. بدلاً من أن تكون الدولة هي المرجعية الوحيدة، أصبحت الطوائف والأحزاب السياسية هي المهيمنة، ما أدى إلى تآكل وحدة البلاد.
في ظل هذه الظروف، بات من الضروري إعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس جديدة تضمن العدالة والمساواة. يجب أن يُبنى نظام علماني يفصل بين الدين والسياسة، ويعزز مبدأ المواطنة على حساب الطائفية. يجب أن يكون هناك قانون انتخابي جديد يتيح تمثيلًا عادلًا لكافة فئات المجتمع، ويعطي الأولوية للكفاءة والنزاهة.
كما يجب أن تكون هناك إصلاحات شاملة في كافة مؤسسات الدولة. على الجيش الوطني أن يكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن حماية البلاد، ويجب تعزيز الشفافية والمساءلة، ومكافحة الفساد بشكل جذري. القضاء يجب أن يكون مستقلًا ونزيهًا، وقادرًا على محاسبة المسؤولين الفاسدين دون أي تأثير أو ضغط سياسي.
النظام الاقتصادي يحتاج إلى إصلاح جذري ليصبح أكثر عدالة وشمولية. يجب التركيز على تطوير القطاعات الإنتاجية وخلق فرص عمل للشباب، وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء. سياسات اجتماعية تضمن الوصول إلى الخدمات الأساسية لجميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو السياسية.
إعادة بناء لبنان لن تكون مهمة سهلة، وستواجه تحديات كبيرة بسبب تمسك الطبقة السياسية الحالية بمصالحها. ومع ذلك، فإن التغيير أصبح ضرورة لا يمكن تأجيلها. استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى المزيد من التدهور والانهيار، وقد يؤدي في النهاية إلى ضياع لبنان كدولة.
الشعب اللبناني لديه القدرة على تحقيق التغيير إذا توفرت الإرادة الجماعية. من الضروري أن يتكاتف الشعب لتحقيق التغيير المنشود في النظام السياسي، والدستور الذي لم يعد يتأقلم مع الواقع الراهن. التغيير يجب أن يكون من الداخل وبإرادة الشعب، فلا شيء يمكن أن يقف أمام إرادة شعب مصمم على التغيير. إذا تحقق هذا التغيير، يمكن أن يُبنى لبنان على أسس جديدة تضمن العدالة والمساواة، وتمنح البلاد فرصة جديدة للنهوض من أزمتها.
الخلاصة أن أزمة النظام السياسي اللبناني الحالية هي نتيجة تراكمات طويلة من الفشل والفساد، ولم يعد بالإمكان الاعتماد على هذا النظام لتحقيق الاستقرار أو التنمية في البلاد. إعادة بناء الدولة اللبنانية أصبحت ضرورة ملحة، والشعب اللبناني هو الوحيد القادر على تحقيق هذا التغيير وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.