"بحِبّك يا سْواري، بس قدّ زنْدي، لا". هذا يعني أنّ الإنسان يتقدَّم على كلِّ ما عداه.
في حين يرى فريق من الناس أنّ حبّ الذات يتَماهى مع الأنانيّة والاستئثار، يجد فريقٌ آخَر أنّ حبّ الذات يَدفعُنا إلى حبّ "القريب"[ "أحبِب قريبك كنَفسِك" (متّى 22: 39).] كذاتنا. لا بل إنّ المؤمن "بالإلَه الحقيقيّ وحده"[ يوحنّا 17؛ 3.] ينطلق من أنّنا إذا أحبَبنا الله أكثر نُحبّ أنفُسَنا أكثر. "وبالحبّ ذاته نُحبّ قريبنا والله[ "مَن كانت عنده وصاياي، ويعمل بها، فذاك يُحبُّني، والذي يُحبُّني، يُحبُّه أبي، وأنا أُحبُّه وأُعلِن له ذاتي" (يوحنّا 14: 21).]، لكنّنا نُحبّ الله من أجل الله، ونُحِبّ ذاتنا والقريب من أجل الله"[ القدّيس أغوسطينوس، عظة بعنوان: أحبِب الله، قريبك ونفسك.].
ماذا نعني بِحبّ الذات؟
عندما يَقدر الشخص أن يَقبل ذاته ويُحبّها دون شَرط أو قَيد، وبِصَرف النظر عن عيوبه أو سيئاته وأخطائه التي حدثت معه في الماضي، يكون المرء مُحبًّا لذاته. والذي يُحِبّ ذاته يُعاملها بِلُطف ورحمة واحترام. هل هذا ما نلناه من خلال تربيتنا ؟
"حبّ الذات هو الحلّ الشافي الجذريّ الكامل لكلّ مشاكلك الشخصيّة والمُجتمعيّة والعالميّة". وعليه، يعمل الذي يُحبّ نفسه على ذاته مُطوِّرًا ما لدّيه من ملِكاتٍ وقدُرات ووَزنات. مُمتَنًّا لله وناشِطًا عبر رؤيةٍ واضحةٍ لتحقيق ذاته وداعِمًا لِأشباهه. إذًا، نحن نُمارس حبّ الذات "لنأخذ سعادتنا بأيدينا ونستثمر في أنفسنا ورفاهيّتنا"[ موقع myselflovesupply]. تَحقيقًا لِأهدافنا "وتغيِير مُعتقداتٍ وبرامجَ فكريّة سلبيّة اكتسَبناها لا تَخدُمنا.
من فوائد حبّ الذات: مُمارَسة الرعاية الذاتيّة (تَحسين احترام الذات والثِقة بالنفس)؛ تجنُّب الحديث السلبيّ عن النفس؛ تجنّب الأشخاص السَلبيِّين؛ تطوير التعاطُف مع الذات؛ الإقلال من تصفُّح مواقع السُوشِيل مِيديَا؛ التدرُّب على مسامحة الذات والتسامح مع الآخرين؛ معرفة قَول لا عند الحاجة؛ عَيش اللَّحظة؛ طلب المساعدة عند الحاجة. مُرونة أكبر في مُواجَهة التحَدِّيَّات والمِحَن التي قد تعترضنا في الحياة اليوميّة، إذ يتعلّم المرء الاعتماد على قوّته الداخليّة واستغلال مَواردِه وإمكانيّاته على النحو الأمثل؛ تطوير علاقات افضل؛ تخفيف التوتّر؛ مُضاعفة السعادة؛ تحسين الصحّة البدَنيّة.
قد تكون تنمية حبّ الذات أمرًا صعبًا إذ نعيش في أجواءٍ تُركِّز كثيرًا على الجمال الجسدي وما نَملكه أو نَحوز عليه، ما يجعل من الصعب قبول أنفسنا وتقديرها حقًا. كما قد يكون لدينا أيضًا رسائل سلبية داخلية من ماضينا وأحكام ومُعتَقدات تجعل من الصعب التعرُّف على قيمَتِنا، مِثل: "أنا غير محبوب.. أنا فاشل". إنتبِه: "لا تُقاوم هذه المُعتقدات، وتقبَّل ذاتك. فالمُقاومة والحُكم عليها يَزيد من قوَّتها. وكذلك إهمالها والهُروب منها يُعزِّز حُضورها".
ليس حبّ الذات أنانيّة ولا نرجسيّة. إذ تَنطَوي الأنانيّة على تَجاوُز الآخَرين، لأنَّها تَورُّمٌ نفسيّ يدُلّ على وُجود جُروحٍ عاطفيّة عَميقة في الطفولة ينبغي مُواجهتها وعلاجها. الأنانيّة عبارة عن "لُبس أقنعة خارجيّة للتَعويض عمّا يَشعر (المرء) بأنّه يَنقصه في الداخل". أمّا النَرجِسيّة فتُؤَدّي إلى "تعدٍّ على حدود الآخَرين وإلحاق الضرَر بهِم"[ بحسَب جَين سَلايطة.]. الأنانية هي إحدى صفات النرجسيّة[ Narcissism. ]، وتَعني أن تقوم بوَضع نفسك[ Selfishness. ] أوَّلًا وفَوق الكلّ، تحقيقًا لرَغباتك فقط، حتّى لو كانت على حسابهم. "ما يجعلك غيرَ راضٍ عن نفسك ودائم الشعور بالنَقص نتيجة المُقارنة المُستمرّة"، فتَعيش "حَزينًا وسَلبيًّا"[ على حدِّ قَول د. مازن مُقابلة.].
هذا، ونجد في الحياة قيمةً أُخرى ينبغي التعامُل معها بِوَعيٍّ وتَعزيزها لتُشكِّل مع حبّ الذات رُكنًا لعلائق بنّاءَة تُسهِم في تحويل كَوكبنا مُجدَّدًا إلى فضاءٍ يَسبح فيه الإنسان بأمان. تلك القيمة هي الإيثار.
ما هو الإيثار؟
الإيثار[ Altruism. ] هو "سُلوك يُمارسه الإنسان بكامل وَعيِه، كعمليّة ناضجة ومُثمرة وتِلقائيّة ذات أبعاد عاطفيَة اجتماعيّة"، سُلوكٌ يُناقِض الأنانيّة. وهُوَ يَعني تَقديم مصلحة الآخَرين على مصلحتك الخاصّة دون إيذاء نفسِك ودون مُقابل ماديّ أو مَعنويّ، "ما يجعلك أكثر سعادة ورِضى عن نفسك عند سعادة ورضى الآخَرين"[ بحسَب د. مازن مقابلة.]. ويفسِّر[ استشاريّ الأمراض النفسيَة بالمملكة المتَّحدة.] د. سَداد جَواد التَميميّ، دَوافع السُلوك الإيثاري وِفقا لنظريَّتَين:
1- "الإقدام على الإيثار بِدافعٍ من مَشاعرِ التعاطُف التِلقائي تُجاه الآخَرين، ودون مؤثِّرات خارجيّة.
2- الاندفاع للإيثار تحت ضَغط مشاعر مُؤلِمة، كأن يرَى المرء صُوَرًا للفقراء والمرضى وضحايا الحروب والمجاعات، تُحزنه وتُؤلمه، فيَلجأ إلى السُلوك الإيثاري في مُحاولة للتخلُّص من ذلك".
كذلك يُلفتُنا د. تُوبي أوَرْد بأن هناك نَوعين من الإيثار: الفعّال والمرَضيّ[ Pathological Altruism. ]. كما يجب أن نُلاحِظ الفَرق بين إبداء التعاطُف وبين الإيثار، إذ يَكمن في أنّ الأوَّل هو مجرَّد شُعور بالقَلب، أما الثاني فهوَ شُعور يَصعد من القَلب ليَتحوَّل إلى فِعل.
أمَّا الإيثار المرَضيّ فهُو عُنصرُ جَلْدٍ لِلذات[ Self-Flagellation. ] وهو شُعور مُوجَّه نحو الخارج. ويعني أن تُبالغ في تقديم مصلحة الآخَرين على مصلحتك الشخصيّة، لدرجة التضحية بنَفسِك، "ما يجعلك تَشعر بالضعف والنقص والاستغلال من قِبل الآخَرين فتُصبح حزينًا وسلبيًّا"[ د. مازن مقابلة.].
أضِف إلى الإيثار المرَضيّ عنصر"الاستِسلام الإيثاري" الذي يَعني "استسلامُ الإنسان إيثَارِيًّا وتخَلِّيه عن طُموحاته وتَوقيفِه لعَمليّة تطوُّره الذاتيّ إرضاءً للآخَرين"، وِفقًا للدكتور جَواد التَميمي.
ختامًا، فلنتأمَّل هذه الكلمات المُحيِيَة والمُحرِّرة: "روحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ[ لوقا 4ك 18-19.]، وَلِأَجلِ ذَلِكَ مَسَحَني وَأَرسَلَني لِأُبَشِّرَ ٱلمَساكينَ، وَأَشفِيَ مُنكَسِري ٱلقُلوبِ، وَأُنادِيَ لِلمَأسورينَ بِٱلتَّخلِيَةِ وَلِلعُميانِ بِٱلبَصَرِ، وَأُطلِقَ ٱلمُرهَقينَ أَحرارًا، وَأَكرِزَ بِسَنَةِ ٱلرَّبِّ ٱلمَقبولَة".