بعد تسعة أشهر من الحمْل، يُطلّ علينا المَولود(ة) الجديد(ة): أهلا بهالطلّه، أهلا !
في أجواء من الحبّ المُتبادَل والتشارُك في الرغبة به/بها والشَوق إلى احتضانه/ها وإشراكه/ها في في ما هو للثُناء[ أي الزَوج couple. لا ثُنائيّ أي duo.]، ينتظر الكلّ المَولود(ة) الجديد(ة)، ليس كما تقول الأغنية: "أنا في انتظارك ملَّيت"، بل على أحرّ من الجمْر.
بعضهم يرغبون به/بها، والآخَرون إمّا يمتَعضِون وإمّا يرفضون لأكثر من سبب.
التحضيرات لوُروده/ها قامَت على قدَم وساق، لا بل هي دائمة حتّى إطلالته/ها، لا بل بشكلٍ مُستَدام نظرًا للشراكة التي بها يرتبطون معه/ها.
ويبدأ السِباق في نسَب شبَه الطفل(ة) إلى الأب أو إلى ألأُمّ أو إلى أحد الأقارب. بينما المَولود(ة) الجديد(ة) هو إنسانٌ جديد فذٌّ وفريدٌ، ولَو أنّه يحمل في جيناته بعضًا من الوالدَين.
غير أنّ "المرجَله" تكمُن في التربية ليكون الوليد(ة) هو/هي، وتكون له/لها مساهمته/ها وبصمتُه/ها في عالم البشر.
2. ولادة جديدة؟
على مستوى العَيش اليوميّ، نجد أُناسًا يقولون إنّهم وُلدوا جديدًا، سواء بعد تعرُّضهم لحادثة مُريعة أو بعد فُقدانهم لمَعنى الحياة ومُحاولة الانتحار. وآخَرون يقولون"كُتِب" لنا عُمر جديد. ومن الناس مَن يمرّون بمَخاض تَلِيه ولادة جديدة نظرًا لعلاقتهم بشخصٍ مُميَّز يُلهِمُهم، أو بعد خروجِهم من الّلَاأدريّة إلى الإيمان بالله. فماذا يَعنون بذلك؟
تلجأ البُوذِيَّة إلى مُصطلَح الولادة الجديدة في إشارة "إلى مجموعة الأحداث التي تؤدّي إلى وجود وحياة جديدة بعد الموت، وذلك في دورات لانهائيّة تُسمَّى سامْسارا". هذه الدورات تنتهي بحدوث حالة التحرُّر أو الخلاص بوِساطة التَنوير والسكينة أو "النيرفانا". هل يُمكن تسمية تلك الدَورات ولادة جديدة حقًّا؟
يسوع الناصريّ لجأ إلى تعبير أو مُصطلَح آخَر هو "الولادة من فَوق"[ أو "الولادة الثانية".] إثْرَ حديثه مع نيقوديمُس. هذه الولادة تَلي الولادة الطبيعيّة في توقيتٍ مناسِبٍ لها. لِأوَّلِ وَهلةٍ، لم يفقَه الشيخ ما تحدّث به يسوع، لا بل كان استِغرابه شديدًا إلى حدّ الدُخول في حالةِ خَواء فكريّ وروحيّ. إلَّا أنّه اختبر الولادة بالروح -التي تدعني أعيش غدًا لا يُشبه يومي هذا.
3. في المسيح يصير الإنسان خليقة جديدة
في المسيح يصير الإنسان خليقة جديدة[ يوحنّا 3: 3.]، ألِف باء الحياة في المسيح: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة"[ 1 يوحنّا 3: 19؛ 2 قور 5: 17.]. هذا يتمّ حين يحيَا المسيح في قلبي، فَتكون لي أفكاره وأخلاقه[ فيليپّي 2: 5.]، ولا أحيَا من بعد لنفسي[ 1 يوحنّا 2: 29.] بل له ولِأشباهي من الكائنات. يسوع هو أرضي الصلبة التي أَقدر أن أَقف عليها بأمان
4. عالم جديد
نحن أمام تغييرات اجتماعيَة واقتصاديّة كارثيّة[ نقلًا عن صحيفة "الاقتصادية".]، "تُعِدُّ الطريق لانهيار اجتماعي واقتصادي ربما لم تشهد البشرية مثله، لحدّته وقَسوَته" ... "إننّي أقرأ، يُضيف الكاتب ... هناك قطاع عريض من الناس وأصحاب الشأن يرَون أن تذهب الأزمة إلى أقصى مَدَى ... لأن الذي نعيشه لم يعُد قابلًا للعَيش". هذا يعني، نوعًا، أنّا نمُرّ بِمَخاض؟!
يزعمون أنّنا دخلنا عالَمًا جديدًا من حيث نَدري أو لا. فَما هي سِماتُه؟
يتبارى عُلماء اجتماع واستراتيجيّون وعامّة الناس في الحديث عن عالم حديد. ولمّا لم يعُد من ثِقَل لدوَل عدَم الانحياز ولا لمنظّمة الأُمم المتَّحدة، يُشير الأوّلون إلى الانقلاب في القيَم أو بالأحرى عليها والاندفاع المُريع نحو التَهلِكة نظرًا لأسلوب التفكير والعَيش الراهن. أمّا الفريق الثاني، فينطلق من إيدولوجيَا عسكريتاريّة-اقتصاديّة ومن دَور كارتِل الدواء والغذاء لفَرض نظامٍ جديد يرتكز على ما يأتي به أو ما يُلَقَّم به الذكاء الاصطناعيّ من "أفكار" ونماذج عَيش تَختلف جذرِيًّا عمَا ألِفَه البشَر، وقد مُهِّد له عبر أفلام"الخيال العِلمي"[ بدْءًا من ستّينيّات القرن العِشرين.]. يُقابل هؤلاء أعضاء في "منظَّمة شنغهاي للتعاون" ودوَل البْرِيكْس لهُم أفكارهم ومشاريعهم التي تتناقَض مع الفريق الثاني، وتزعَم بِقُرب ولادة عالمٍ أفضل. في حين يرَى عامَة الناس أنّ أُمورًا تحدث وتُغيِّر في نمَط الحياة الذي اعتادوا عليه، دون أن يفقَهوا ماهيّة الحركة الوراء هذه التغيُّرات والتبدُّلات في العيش اليوميّ، مُنقادين ومفعولًا بهِم لا فاعلين وغير مُقرِّرين.
زمرة "المُجمَّع العسكريّ الصناعيّ"[ "الدولة العميقة" التي تُدير أميركا والعالم.] يدفعون مُحازِبيهِم إلى الأقاصي في المُحارَبة العمياء لصالح إيديولجِيَاهُم، مُمالئين وكاذبين وزاعمين قيام عالمٍ أفضل بحسب "رؤياهم". يُقابلهم عُميان من الفريق المُناوِئ لهم يَعتمدون على إيديولوجِيَا تتناقَض والأُولى، ويَستميتون من أجل فَرضِها. جميعُهم "يُريدونَ أَن يُرضوا بِحَسَبِ ٱلجَسَدِ، ويُلزِمونكم أَن تَختَتِنوا ... لِيَفتَخِروا بِأَجسادِكُم". يعني على الطريقة اللُّبنانيّة أيّام حرب 1975 "حَبّو (لَلبنان) ومات كرمالو"، لكنّه في الحقيقة قد افتَدى الزعيم ليسَ إلَّا. ما يُؤَكِّد مَقولةَ ماكيَاڤيلّلي:"إنّ أفضلَ حصنٍ للمُستَبِدّين هو جُمود الشعوب"[ La meilleure forteresse des tyrans est l’inertie des peuples- Machiavel.].
هناك بالفَعل عالمٌ "جديد"[ رؤيا يوحنّا 21: 5.]، هلَّا تُريدون التعرُّف إليه؟
عالم يقوم على ِصَليبِ يَسوعَ ٱلمَسيحِ، "ٱلَّذي بِهِ صُلِبَ ٱلعالَمُ لي وَأَنا صُلِبتُ لِلعالَم" وبِه أَفتَخِر. عالمٌ قائمٌ على الحبّ إلى أقصى مَدَيات الحبّ، حبّ بِلَا حُدود، حبّ بِلَا شُروط. حبّ حتّى إخلاء الذات، حبٌّ باذِل حتّى الموت، الموت على الصليب"[ فيلبّي 2: 8.] إفتِداءً للأحبّة، "كلّ إنسان، وكلّ الإنسان".