شفق لمحته من البعيد في ظلمات أيامي، بصيص نور في فضاء الليل الحالك تأملته مطولاً وأنا متعب من السير مسافات طويلة في أنفاق هذا المجتمع، فبعث في قلبي قوة المتابعة ولمع في عيني بصيص أمل رسّخ الثقة في مبادئي وأعاد إحياءها في حنايا روحي بعدما همشها هذا العالم وشوهتها الأقدار.
فجأة لفح وجهي نسيم تفلغل في أعماقي فحدثني قائلاً: ما تراه أنت لا يراه أحد غيرك لأن هذا الشفق يحمل في طياته شعاعاً تعمدت به روحك قبل أن تأتي إلى هذه الأرض، فبقي ضياؤه حياً في أعماق كل منكما دون أن تدركا ذلك إلى أن التقيتما ولو من البعيد. والآن سمحت لكما الأقدار بالاقتراب أكثر وكسر حواجز المسافات وتخطّي الزمن وكل عقبات وتقاليد وأعراف هذا العالم، ولكن اتجه نحوه ببطء وثبات فسراج قلبه صغير وفتيله ممزوج بالأوجاع والأحزان والجراح، وقد يقلق ويخاف من أي ريح تهب نحوه فينطفئ وينتهي. في جوفه تختلج مشاعر طيبة نحوك ولكن ينقصه الأمان والسلام والثقة بأنك أنت ذلك الطفل الكائن في روحه والحارس الوحيد لكيانه ووجوده. وذلك المذنّب الذي كنتما تريانه وأنتما صغار حينما تأملتما النجوم في ليالي هذه الدنيا هو حقيقي، واليوم غدا قريباً منكما، سيكون في مدار حياتكما دوماً ينثر القوة والبهجة ويمحو الظلمة القاسية التي حجبت عنكما الحياة لسنين طويلة.
وقفت للحظات أراقب المشهد المقدس الرائع، ثم أكملت سيري نحو الشفق بفرح وعزم وبشغف، للقاء أجزاء من روحي بعد غياب طويل.