النهار

من هم؟ من أنتم؟
إنّ البيت المنقسم على ذاته يخرب، ونحن كلّنا سكّان هذا البيت، شئتم أم أبيتم. هذا البيت متعدّد الطّوائف، الألوان، الانتماءات الحزبيّة، الطّاعة للقادة، التّوجّهات، الأديان، الأحلام... ولكن تجمعنا حدودٌ واحدة، علمٌ واحد، ووطنٌ واحد
A+   A-
إنّ البيت المنقسم على ذاته يخرب، ونحن كلّنا سكّان هذا البيت، شئتم أم أبيتم. هذا البيت متعدّد الطّوائف، الألوان، الانتماءات الحزبيّة، الطّاعة للقادة، التّوجّهات، الأديان، الأحلام... ولكن تجمعنا حدودٌ واحدة، علمٌ واحد، ووطنٌ واحد.
في وطني جيش عظيم، روى بدمائه تراب الأرض حتّى أنبت شرفًا وتضحيةً ووفاء. في وطني جيش يقاتل باللّحم الحيّ للدّفاع عن إخوته، الإخوة أنفسهم الّذين أرادوا نزع شرعيّته من سنواتٍ خلت، إخوة غدروا به، أُعدموا المئات، أُخفَوا المئات، وقَطّعوا المئات. وأنتم ما زلتم تؤلّهون الزّعيم، ولم يتمّ تخوينكم. في وطني جيشٌ يُقتل على أيدي إخوته المتزمّتين الّذين أعمتِ الأصوليّةُ ضمائرَهم، تُلفُّ نعوشهم بالعلم اللّبنانيّ، ويُعطى أهلوهم وسامًا خلال مراسمَ فيها من الرّتابة أكثر من الشّهادة. في وطني، جيشي أعزل، بقرارٍ دوليّ، أعزل إلّا من الشّجاعة والبأس والجهوزيّة الدّائمة والإصرار.
ويبقى الجيش، رغم كلّ شيء، تاجَ رؤوسنا وهيبةَ دولتنا، المنازِعة حاليًّا، والمتنازَع عليها. لكنّها ستتعافى متى تغيّر فوج الأطبّاء المشرف على صحّتها؛ أطبّاء انتهكوا قسَمهم، فتناتشوا أوصال وطني حصصًا فيما بينهم، وتاجروا به، وأوصلوه إلى النّفس الأخير.
وفي وطني مقاومةٌ إسلاميّةُ المعتقد، لبنانيّة الانتماء، لم تغدر يومًا بالجيش، مقرّها في الجنوب اللّبناني، لا في القطب الشّمالي للكرة الأرضيّة، أوكلت لنفسها الذّود عن قضيّةٍ قديمةٍ جديدة تخلّى عنها كلّ العرب، وفوق ذلك باعوها بتطبيعٍ من هنا ومشاريعَ أميركيّة صهيونيّة من هناك، بل كمّوا أفواههم حتّى عن الاستنكار ولو كذبًا، وغرقوا في المهرجانات وكرة القدم والفعاليّات التّرفيهيّة... حنين إلى روما قديمة يُعاد إحياؤها على دماء الأبرياء؛ لا عجب وقد انضمّ أغلب حكّام العرب إلى المشروع الماسونيّ الصّهيوني العالميّ.
أمّا المقاومة الإسلاميّة اللّبنانيّة، فقضيّتها أعمق من مجرّد تحرير فلسطين من العدوّ الغاشم بإصرارها على حقّ العودة للفلسطينيّين الّذين أتخموا لبنان لن أعدّد بماذا، هذا إن كانوا هم لا زالوا يصدّقون حقّهم بالعودة وقصّة المفتاح القديم. وعندما تتشدّقون بمقولة "هم دولة في قلب الدّولة"، حدّدوا من هم: الفلسطينيّون أوّلًا، والسّوريّون كمشروعٍ قادم، والـ... الّذين فسدوا من حكّامنا وأبقَوا دولتنا رهن "الشّحادة"، أعني تحت سلطة قرارات الجهات المانحة. أمّا المقاومة، فهي قانونيّة لها تمثيلها البرلماني.
قضيّة المقاومة أكبر من أن لا يتمّ الاعتراف بالكيان الصّهيوني كدولة مستقلّة شرعيّة فقط. قضيّتها قطع أذرع أميركا في الشّرق، وقطع يدّ كلّ من تسوّل له نفسه الدّنوّ من حدود وطني. قضيّتها أن تدفع غالبًا وغاليًا وطوعًا وفرِحةً ثمن حماية الجنوب والشّمال والشّرق والغرب. ويطالعنا قوم يدّعون الوطنيّة، ويتوكّلون زورًا، وهم لا يعرفون مسيحًا ولا نبيًّا، بل جلّ ما يقدّمونه الشّماتة. لا يرَون في تضحيات الشّباب المقاوم سوى مشروع دولة إسلاميّة في لبنان. يا أغبياء، ألا تخافون الله في إخوتكم؟ إنّهم شهداء من أجلنا كلّنا، لا يتعبون، لا يستسلمون، لا تثني عزمهم مذلّة ولا يخيف عزيمتهم تهديد. إنّهم حاليًّا سلاح الوطن في وجه سفّاحين لا يعرفون رحمةً، ولا تقضّ مضاجعَهم صرخاتُ آلامِ الأطفال والنّساء، ولا ترهبهم مناظر الدّمار، ولا يردعهم لا دين ولا أخلاق ولا إنسانيّة. يا أغبياء، لو كانت للمقاومة نيّةٌ في الاستيلاء على لبنان لتنفيذ مخطّطٍ إيرانيّ في بال البعض، يلزمها، على حساباتي التّقديريّة، أقل من ٢٤ ساعة بالكثير. النّسيان نعمةٌ بحقّ، ولكن ليس لدرجة أن تنسَوا من حمى الوجود المسيحيّ في الشّرق؛ فقط للتّذكير!
لم أرَ شعبًا مشرذمًا متحجّر العقل، مغسول الدّماغ، منزوع الإحساس مثلكم؛ بعضكم يريد وصايةً أجنبيّة، وآخرون يسوّقون لفكرة التّطبيع كأمرٍ حتميّ وعاديّ بحجّة السّلام، ومضحككم يريد نزع سلاح المقاومة والبقاء على حيادٍ يفتحُ حدودَنا ليحرق بيتنا بمن فيه، ويحوّله إمّا معبرًا أو مستوطنةً كبيرة أو خزنةً يغرف من كنوزها دون رادع.
في زمن الحرب الشّرسة الّتي تُستخدم فيها كلّ الوسائل الممنوعة دوليًّا، وسط صمتٍ عالميّ من الدّول المانعة، أرى شعوبَ العالم أشرف منكم في مظاهراتها المندّدة بالظّلم والمطالِبة بوقف العدوان على غزّة ولبنان. يا قوم، لا أعرف بم أسمّيكم، إن لم تحرّككم الإبادة في غزّة، وإن لم يعنيكم ارتقاء لبنانيّينا إلى الشّهادة من أجلكم، فأنتم إمّا عملاء، إمّا دخلاء، وإمّا أموات. وفي الحالات الثّلاثة أنتم لا تنتمون إلى هذا الوطن، ولديكم ما يكفي ممّا تبقّى من حفلات الصّيف وتغييب أنفسكم عمّا يحدث في بقعةٍ جغرافيّةٍ كبيرة من أرضنا، لكي ترحلوا. فارحلوا لأنّكم فطريّات لا قيمة لكم، عملكم يقتضي أن تتقيّؤوا من قرف نفوسكم وفحم إنسانيّتكم المتحلّلة وأحقادكم الّتي لا مبرّر لها ما يحقن قادتكم به أدمغتكم.
من أنتم؟ ومن هم؟ تسمّى ال"نحن"! ونتشارك المصير ذاته، ونقف جنبًا إلى جنب، إن لم يكن في ساحة المعركة فليكن بالدّعم المعنوي، بالشّكر، بالدّعاء للنّصر، بالعمل الإنسانيّ، بالتّضامن... لأنّ "هم" لن يكون النّصر لهم وحدهم، بل لنا "نحن" كلّنا، وأنتم لا تستحقّون النّصر الآتي. وإن لم يعجبكم اقتراح الدّعم ولا اقتراح الرّحيل، أقلّه اختاروا الصّمت واصمتوا!
من هم؟ هم نحن، لبنانيّون مقاومون شرفاء يبذلون أبناءهم لِصَوْنِ أرضنا وعرضنا وكرامتنا. هم فخرنا كائنًا من كانوا لما يبذلونه من ذواتهم.
هم الوطنيّون الأحرار الأبرار، ونحن إخوتهم، وأنتم لا اسم ولا لون ولا معنى لكم وقادتكم مدجّجون بالسّلاح خوفًا على فسادهم من القتل.
أيّها المقاومون الشّرفاء، كلّ لبنانيّ وطنيّ مؤمن يقف بجانبكم، يحني الرّأس احترامًا لصمودكم وعزّة أنفسكم وتمسّككم بأرضكم، وخجَلًا من تقاعس دولتنا، وقهرًا على اندفاع جيشنا، وفخرًا بكم "لبنانيّون من أجل لبنان" في وجه الشّيطان الأخطبوط بنفسه.
نصَرَكمُ الله يا إخوتنا.
كاتيا نادر - باحثة لبنانيّة في الفلسفة والعلوم السّياسيّة والاجتماعيّة، والعلوم اللّاهوتيّة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium