اللبناني في الداخل يتألم، وكل من لا يزال على قيد الحياة يموت ألف مرة في اليوم على ما آلت إليه الحرب الأخيرة. "انتفخ الشعب هوي وعم ياكل رعبات"، وأصبح يعاني فوبيا صوت الطيران الإسرائيلي، ومتلازمة جدار الصوت. وشعار "لنصلّ من أجل لبنان" يعود صلاة على شفاه اللبناني بشكل خاص والعالم بشكل عام، وينتشر على صفحات السوشيل ميديا لدى المغترب قبل المقيم. لا أدري كم من مرة نستحق بعد معجزة كي ينجو هذا الوطن، الذي بالكاد ينهض من ركامه حتى تعود سلسلة الدمار من جديد.
إلى متى؟ إلى ما لا نهاية
اعتدنا القول "الأعمار بيد الله"، لكن اليوم الوطن بشعبه وأرضه بيد الله. الموت حقّ، نعم... ولكن القتل جريمة. قالها: الحرب ليست ضدّ الشعب اللبناني، بل ضدّ حزب الله، نحن نعلم ذلك... وحتى الآن، ومع تصفيات هرم الأسماء كل اسم سياسي تم اغتياله راح ضحيته مئات المدنيين من أطفال وأمهات وآباء ونزحت مئات العائلات من ديارها وتهدمت مئات البيوت.
إلى متى؟ يبدو مع الأسف إلى ما لا نهاية.
المشكلة لا أحد يعرف بعد الآن بأي لغة يجب التوجه إليكم، فإن طالبناكم قائلين "ارحموا الشعب"، هذا مستحيل ما دامت الرحمة غير قائمة أصلاً في قاموسكم. وإن ناجيناكم باسم الإنسانية، أتُراها تُسحب من قلوبكم وعقولكم بمجرد أن تعتلوا كرسي السياسة.
جعلتم من المواطنين مشرّدين في وطنهم، وجعلتم من المغتربين أسرى للخوف على عائلاتهم.
نحن بالاسم نعيش في الاغتراب، لكن عقلاً وقلباً وروحاً نحن في لبنان. نحن نخجل من أن نعيش كما يجب، نحن أصبحنا نسمع من أهلنا "لا تأتوا... ما تفكروا ترجعوا..."، نحن لم نعد نملك خيار العودة لأننا نفكر بأننا الضمان الخارجي لعائلاتنا، نحن بدل التخطيط للعودة إلى الوطن نفكر كيف سنحافظ على مكاننا في الغربة.
أجندة سياسية واحدة تدمّر أمّة بكاملها، ولربما ما يعيشه لبنان اليوم خير دليل على أنّ الوطن لا يحتاج إلى "دولة سياسية"، فبوجودهم وغيابهم الأمن مهدّد والحرب ستقوم ستقوم.
الروح في لبنان والجسد في الغربة
اليوم لم نعد نسمع عن الإنجازات، بل تنقل لنا وسائل الإعلام فظاعة المشهد من هدم وتخريب وقتل ونزوح... اليوم تحولت السوشيل ميديا إلى "ورقة نعوة"، ودعوات تضامن ونداءات إنسانية... أيا ليتنا لم نضطرّ لذلك، وحافظ كل شخص على بيته وأهله. أيا ليتنا لم نعتَد على هذه المشهدية التي دخلت نمط حياة اللبناني.
أسفي على وطن كان ولا يزال محطّ أنظار الجميع: سواء من ينظر إليه للخير، أو من يصطاد فيه للشرّ. أسفي على شعب "تمسح" وهو ينتظر كرامة العيش. وأسفي على المغترب، الذي لم يعد يميّز قسوة الغربة من حسرة الوطن.
عند الموت، نقول يموت الجسد وتبقى الروح لترافقنا. واليوم نقول نحن المغتربين، كياننا في غربتنا وروحنا في وطننا.
إلى متى؟ على أمل ألا يستمرّ الأمر إلى ما لانهاية. وإن اعتدنا، ولكن من حقنا أن لا نتأقلم على الدمار. فالسلام حقّنا، وليس من حقهم أن يسلبوه منا!