منذ بداية الحرب في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تشهد المنطقة الحدودية بين لبنان والدولة العبرية تبادلاً يومياً للقصف بين الدولة العبرية وحزب الله. من جهة لبنان كان الاستهداف محصوراً بمنطقة الجنوب. أما الآن فإزداد معدل التصعيد ليشمل مناطق متفرقة من الأراضي اللبنانية، وتوجه العنف بشدة نحو الضاحية الجنوبية لبيروت، البقاع، جنوب لبنان ومناطق لبنانية أخرى.
في ظل هذه الأوضاع تعجز مدينة بيروت عن تحمّل آلاف النازحين نظرًا لضآلة المساحات ولكونها هي أيضًا مهددة في المرحلة المقبلة. بلغ عدد النازحين نحو 50 ألفاً، فتدخلت القرى اللبنانية الآمنة التي كانت ومازالت الأكثر حرمانًا لتلبية النداء قبل الطلب، فقدمت كافة منازلها وفتحت أبواب مدارسها أمام كل نازح.
منذ بداية الليلة المشؤومة شاهدنا شباباً من مدينة طرابلس متأهبين على مداخلها لاستقبال النازحين واصطحابهم إلى منازلهم ومراكز الإيواء. في اليوم التالي تشكلت لجان سريعة في كل من طرابلس وعكار وسارعت إلى تلبية الاحتياجات الأساسية من فرش ووسادات ومواد غذائية وأدوية وما يمكن أن تحتاجه مختلف الفئات.
في منطقة زحلة فتحت كنيسة القديسة ريتا أبوابها أمام المسلمين البقاعيين للصلاة والإقامة داخلها في اليوم الأول إلى حين وجود مسكن ثابت للفترة المقبلة.
وشاهدنا القادمين من المناطق المستهدفة على الطرقات يتقاسمون الخبز والدواء والماء دون سؤال من يقاسمني؟ ودون أسئلة عن الفئة والتبعية أو الديانة.
في ظل نوم مغناطيسي عربي وإقليمي نرى الفرق بين حرب 2006 وحرب اليوم بشأن عدم وجود دعم معنوي أو حتى مساعدات إنسانية، وعدم تأمين ملاجئ وتجهيزات قبل الحرب، ومع أن لبنان يريد السلام لا الحروب يسعى المواطنون إلى وقوف مرة أخرى بعزم وقوة.
فاللبناني اليوم، ومع أن الفارق بين حياته وموته ثانية، لا يقف ملتوياً خائفاً، ولا ينتظر الاستشهاد، بل يرسم بلحظاته التي يمكن أن تكون أخيرة شهادة حياة يملؤها الحب والعطاء. وإن فرّقته الانقسامات الداخلية والسياسية سابقًا لم يولد في العالم "إنسان" كلبناني يتقاسم اللقمة في حال فرغ وعاء طعامه.