أرضية مهترئة، حطام، ومرافق متآكلة تحوّلت إلى ثكنة عسكرية أو مخزن للحبوب والطحين. هذا هو حال المدينة الرياضية في العاصمة اللبنانية بيروت، التي باتت على غرار منشآت وملاعب كرة قدم عدّة ضحية الإهمال في بلد يعيش أسوأ أزماته الاقتصادية.
المدينة الرياضية، أو "مدينة كميل شمعون الرياضية" كما اصطلح على تسميتها إذ بُنيت في عهده كرئيس للجمهورية في العام 1957، كانت شاهدة على محطات لبنانية وعربية عدة كونها أكبر صرح رياضي، أفل نجمها تدريجياً خلال عقدين من الزمن. وعاد من تحت الرماد بعدما قُصف بعنف خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وكان شاهداً على الحرب الأهلية (1975-1990)، فأعيد بناؤه وافتتح باستضافة الألعاب العربية عام 1997، قبل كأس آسيا لكرة القدم (2000)، ودورة الألعاب الفرنكوفونية (2009).
لكن الضرر اليوم ليس وليد عوامل خارجية. فالإهمال تراكم لسنوات، والابتعاد عن الاهتمام بالرياضة عموماً، يضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية القاسية التي يرزح تحتها لبنان منذ بداية العام 2020 مروراً بالانفجار الضخم في مرفأ بيروت الذي دمّر جزءاً من العاصمة وأسفر عن عدد كبير من الضحايا. بالتالي، بات الملعب غير صالح لاستضافة مباريات المنتخب الوطني، بحسب ما يقول رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم هاشم حيدر.
يشير حيدر إلى أن "تضرّر ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية جراء انفجار بيروت، حتّم ايجاد ملعب بديل كي لا يضطر المنتخب للعب بعيداً عن أرضه وجمهوره". ويضيف "توصلنا لاتفاق مع اتحادات المنتخبات المنافسة بلعب مباريات لبنان ذهاباً في أرض الخصوم، إفساحاً بالمجال أمام تأهيل ملعب صيدا البلدي (أحد ملاعب كأس آسيا 2000 الثلاثة ويبعد نحو 40 كلم عن العاصمة)، ليتلاءم مع الشروط المطلوبة للاتحادين الدولي والآسيوي".
وأشار حيدر إلى أنه تم تأهيل ملعب آخر مجهّز بالعشب الطبيعي في بلدة البابلية الجنوبية بالتعاون مع الاتحاد الدولي لاعتماده ملعباً تدريبياً للمنتخب اللبناني حصراً.
يطال الإهمال أيضاً ملعب بيروت البلدي، الذي يبعد مئات الأمتار عن المدينة الرياضية في منطقة الطريق الجديدة، الشاهد في ذاكرة اللبنانيين على انتصارات كثيرة لقطبي العاصمة النجمة والأنصار، وكان مقراً لمنتخب "رجال الأرز" في حقبة التسعينيات.
قال مدرب منتخب لبنان السابق المونتنينغري ميودراغ رادولوفيتش ذات مرة إنه "من العار اللعب على أرضيات مماثلة"، ومثله مدرب كوريا الجنوبية حينها الألماني أولي شتيليكه الذي تساءل "هل هذا ملعب كرة قدم؟"، في إشارة إلى ملعب صيدا الذي شهد مواجهة المنتخبين خلال التصفيات المؤهلة إلى مونديال روسيا 2018
.
ومثله، في الضاحية الشرقية لبيروت ملعب بلدية برج حمود، الذي كان أبرز الملاعب في لبنان إبان الحرب الأهلية وبعدها لسنوات عدة، وبات اليوم منسياً جراء أرضيته التي لا تصلح حتى للهواة، كمثل ملاعب الأندية، لاسيما ملعب نادي الصفاء التاريخي في حي وطى المصيطبة بالعاصمة.
طغى العشب الصناعي على غالبية ملاعب البلاد في البطولات المحلية الرسمية، وباتت الأرضيات ذات العشب الطبيعي نادرة جداً مع غياب شبه تام للصيانة.
يرى القيّمون على قطاع الرياضة في لبنان، لا سيما اتحاد كرة القدم، أن ملاعب "النجيل الصناعي" ملاذ للعبة، ولا سيما أنها توفر الكثير من التكلفة المادية، إذ لا تحتاج إلى الري والعناية والأسمدة والمبيدات.
ولفت قائد منتخب لبنان حسن متوق أن للعشب الصناعي سلبيات كثيرة "فهي تقصّر عمر اللاعب رياضياً (...) هذا الموسم فقط ثمة خمس إصابات بقطع في الرباط الصليبي بين الأندية، برأيي هذا سببه المباشر الملاعب الصناعية"، محمّلاً الحكومة مسؤولية التقصير إذ أنها "لا تولي القطاع الرياضي الاهتمام المطلوب".
ويشير رئيس المؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والشبابية والكشفية في لبنان رياض الشيخة إلى أن الإهمال هو نتيجة تراكمات لأعوام طويلة من دون صيانة.
ويقول إن "الموازنة التي ترصد بسيطة جداً، ولا تكفي الحد الأدنى المطلوب لإدارة هذا القطاع"، واصفاً الوضع بـ"الكارثي". ويعتبر الشيخة أن الحل المثالي هو "الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، ملمحاً إلى "صعوبة إيجاد شريك خاص يقبل تولي هذه المسؤولية خصوصاً مع تدهور الوضع الاقتصادي وجائحة كورونا".
وكانت جهات حزبية عدة كشفت عن مخالفات في مؤسسة المنشآت الرياضية، ومنها المدينة الرياضية، إذ قال رئيس قطاع الرياضة في التيار الوطني الحر (حزب رئيس الجمهورية) جهاد سلامة، في أحد التصريحات التلفزيونية أن ثمة "فضائح فساد وهدر أموال"، داعياً القضاء إلى التحقيق فيها.