سلّطت "أزمة ملعب جونية" الضوء مجدداً على معضلة الملاعب في كرة القدم اللبانية، وأكدت مرة أخرى "إتكالية" الاندية في تدبير شؤونها.
في الأسابيع الماضية، انتشرت في الأوساط الرياضية المقارنة بين اللعبتين الشعبيتين كرة القدم التي انعكست عليها الأزمات الإقتصادية والمعيشية والمالية اللبنانية، وكرة السلة التي تالقت مع تأهل ثلاث من منتخباتها الى بطولات كاس العالم ولا سيما المنتخب الأول، المقارنة في النتائج أمر سهل كما التنظير أمّا على أرض الواقع فهي لا تجوز.
مقارنة ساقطة!
وبحسب العديد من الخبراء، فإن الأمر الاساس "لوجستياً" يكمن في تكلفة بناء منشأة لكل من اللعبتين، ملعب "الكرة البرتقالية" يكلف اقل بأضعاف من نظيره "المستطيل الأخضر" الذي يحتاج الى رعاية دائمة لعشبه وخصوصاً إذا كان طبيعياً. من هنا يتحدد الفارق الشاسع بين اللعبتين.
مما لا شك فيه أن كرة القدم تُعرَفُ في كل أصقاع العالم بأنها "لعبة الفقراء" وهذا الحال في لبنان، كما ان كرة السلة شهدت انتشاراً واسعاً في العقود الثلاثة الماضية بفضل "باني نهضتها" الراحل انطوان الشويري، واصبحت الجماهير الرياضية تتابع وتلاحق اللعبتين سوياً، وهذا الأمر أدى الى افتتاح العديد من القاعات المخصصة للعبة كرة السلة في حين لم ينسحب الامر على ملاعب "الشقيقة الكبرى".
شغب ومنع!
انشغل الوسط الكروي قبل ايام قليلة، ببيان إدارة مجمع الرئيس فؤاد شهاب في جونية بطلب فيه من الاتحاد اللبناني لكرة القدم عدم ادراج مباريات نادي النجمة صاحب الشعبية الجارفة في المنشأة، نظراً للأضرار التي لحقت بالمدرجات وارضية الملعب الإصطناعية جراء أعمال شغب قامت بها قلة من مناصري الفريق النبيذي، فضلاً عن الفوى العارمة في محيط الملعب، وأدت الإتصالات والتعهدات والوعود بعودة بلدية جونية عن القرار.
كان لا بد من مناشدة البلدية في هذا الخصوص، إذ أن ملعب جونية البلدي هو الوحيد المجهز بالإضاءة، وحوّلت القناة الناقلة لمسابقات الموسم الكروي 2022-2023 "أم تي في" المدينة الى "عاصمة للكرة اللبنانية" في المواسم الأخيرة، لكون ملعبها يفي بالمطلوب في ظل غياب الملاعب الكبيرة.
وقبل جونية، كان مشكل ملعب أمين عبد النور البلدي في بحمدون حين اقتحم جمهور النجمة المنشأة محطّماً بوابتها ودخل بأعداد فاقت المسموح بها، مما أدى الى "تأجيل" مباراة كاس السوبر.
ملاعب "خردة"
جمهور النجمة كبير، إنما لا قدرة على الاتحاد الذي يدير اللعبة وبطولاتها على تحملها حيث أن الملاعب الكبيرة "معطّلة"، فملعب مدينة كميل شمعون الرياضية خارج الخدمة بعد تضرره بإنفجار المرفأ فضلاً عن إهمال الدولة صيانته، ملعب صيدا البلدي يحتاج الى أرضية جديدة، ملعب طرابلس الاولمبي تحول ثكنة عسكرة وأصبح "خردة"، ملعب الرئيس رشيد كرامي البلدي في طرابلس لا يلعب فريق العهد عليه لأسباب أمنية، وبالتالي كان لزاماً على الاتحاد "تحجيم" الجمهور درءاً للمشاكل ولا سيما في المباريات الحساسة.
هذه الأمور والمعطيات، تؤكد "إتكالية" الأندية و"هشاشتها"، على الرغم من سيطرة الاحزاب السياسية على الأندية وإدارتها، إلا أن أي منها لم يفكر يوماً في العمل المؤسساتي، والاستثمار في بناء منشأة أو ملعب إلا قلّة قليلة على غرار العهد والسلام زغرتا.
طامة رسمية
غالبية الملاعب في لبنان ملكيتها للبلديات أو للدولة، وهنا الطامة الكبرى، إذ تصبح اللعبة وإدارة أنديتها وحتى إدارتها ملزمة بقرارات البلديات أو الجهات المكلفة بإدراة المنشآت، علماً أن غالبية هذه الملاعب الفضل في تعشيبها اصطناعياً يعود الى الاتحاد الذي استفاد منبرامج نظيره الدولي "فيفا" لتاهيلها، كما ان الاتحاد اصطدم بالقوانين التي تحكم ملكية هذه الملاعب ولا سيما الكبيرة وإلا لكان تأهيلها قد وضع حيز التنفيذ، إذ قدّم مقترحاً بتأهيل ثلاثة ملاعب (المدينة الرياضية، وصيد البلدي وطرابلس الاولمبي والتي استضافت نهئيات كاس الأمم الآسيوية عام 2000)، لكن الفيفا اشترط أن يكون للاتحاد المحلي السلطة والملكية المطلقة على الملعب لفترة من الزمن لا تقل عن عشرين عاماً.
لا ملاعب
في المقابل، لا يمكن للأندية ولا سيما الشعبية منها ان تتذمر وهي لا تملك منشآت قادرة على استيعاب مبارياتها بل تبقى مرتهنة لجهات سياسية بدلاً من التحول الى مؤسسات منتجة والاستثمار الصحيح في كرة القدم.
إذاً، المشكلة لدى الأندية أولاً التي لا تملك ملاعب، وكذلك تتحمل الدولة مسؤولية منح الأندية التراخيص من دون دفتر شروط واضح يلحظ امتلاك كل ناد لملعب، فليتم تطبيق هذه الامور، بعدها يمكن المقارتة بين كرة القدم وكرة السلة ونتائجهما.