يتمسك اللبنانيون بأي أمل، في ظل ظروف يقاسونها على مختلف الصعد، الظلام يلف البلاد وخيّم على كافة القطاعات والمؤسسات الرسمية والخاصة، طوابير الذل في كل مكان بحثاً عن لقمة خبز أو علبة دواء أو قطرة وقود، ولهذا أفرغوا ما في صدورهم من آهات تشجيعاً لثلة من الشبان صنعوا "الإعجاز" في كاس الأمم الآسيوية لكرة السلة، وكانوا على بعد رمية واحدة من لقب غير مسبوق في تاريخ اللعبة "الوطنية".
انجاز يعترف الجميع بأنه جاء فعلاً من رحم المعاناة، الكرة البرتقالية بين أيادي شبّان من ابناء الشعب، وحّدت هذا الشعب وكأن الرياضة مجدداً تشكل "فسحة الأمل".
غداة انطلاق انتفاضة "17 تشرين" آثر العديد من نجوم اللعبة في لبنان الرحيل، واختاروا الهجرة والاعتزال، من بينهم لاعب المنتخب الحالي إيلي شمعون الذي أعلن ابتعاده عن كرة السلة للعمل في المملكة العربية السعودية قبل أن يعود لاحقاً عن قراره، ألغي موسم، ثم استجمع إتحاد اللعبة برئاسة أكرم حلبي القوى وأعادوا البطولات الى الانتظام، وكانت نهاية الموسم المنصر "هيتشكوكية" حيث بلغ التنافس أوجه قبل أن يحسم نادي بيروت اللقب لأول مرة في تاريخه على حساب الرياضي بيروت.
الانجاز القاري، تزامن أيضاً من بلوغ المنتخب ذاته مرحلة متقدمة من التصفيات المؤهلة الى نهائيات كاس العالم، إذ بات على بعد انتصارين من ستة مواجهات أخيرة، بعدما خطف صدارة المجموعة الثالثة في التصفيات الآسيوية بفوزه على الأردن 89-70 في الأول من تموز الحالي في بيروت، لكن لا يزال تأهله غير رسمي حيث يخوض بدءاً من شهر آب المقبل غمار الدور الثاني بمواجهة الفليبين والهند.
يرى اللبنانيون ان المنتخبات والفرق الرياضي باتت متنفساً لهم، وباتوا يجدون اللاعبين "أساطير" فرح في وجه الطبقة السياسية، برايهم الرياضة نقطة ضوء في الظلام الدامس الذي يعمّ البلاد، والمنتخب السلوي شكّل ملاذاً من الواقع "الكئيب" الذي تسبب به ساسة لا يعيرون "الوطن" بالإهتمام المتوجب عليهم كمسؤولين، ولهذا إنهال اللبنانيون عبر منصات التواصل الاجتماعي بتمجيد اللاعبين "صانعي الفرح" من وائل عرقجي، علي حيدر، سيرجيو الدرويش، ايلي شمعون، كريم زينون، علي منصور، كريم عزالدين، يوسف خياط، علي مزهر هايك غيوكوشيان، جيرار حديديان، والأميركي الجنس جوناثان ألدريدج الذي عدّ بأنه وطني أكثر من السياسيين الذي تلقوا سيلاً جارفاً من الانتقادات بلغت حد الشتائم.
أكثر اللاعبين تأثيراً على الرأي العام كان وائل عرقجي، الذي كتب عبر "تويتر" قبل مباراة نصف النهائي ضد الاردن، رداً على تهنئة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "لسنا بحاجة إلى تهنئة منه ونحن ننظف ما أوقعنا فيه هو وزملاؤه السياسيون. لذا، من الأفضل أن يبقي فمه مقفلاً".
تغريدة عرقجي لم تختلف عما صرّح به خلال إحدى المقابلات بقوله "نحن قادمون من بلد مكسور وشعبنا حزين وكل ما نقوم به يهدف إلى إسعاد اللبنانيين"، سبقها تصريح آخر عقب التتويج بلقب بطولة العرب "أهدي هذا الانتصار لكل لبناني من دون كهرباء، لكل لبناني يناضل يومياً".
وكان ميقاتي قد هنأ المنتخب بالانجاز، وردّ على عرقجي من دون ان يسميه ألمح ميقاتي إلى أن صوت عرقجي ليس إلا "شطط ونشاز" ما ضاعف حنق اللبنانيين على الطبقة السياسية.
وقبل المنتخب السلوي، كان منتخب كرة القدم ايضاً يوحّد "وطن النجوم"، فلاعبي منتخب رجال الازز" بلغ مرحلة متقدمة من التصفيات المؤهلة الى مونديال قطر، إلا أنه كان ضحية الإهمال الرسمي، فاللعبة الأكثر شعبية تعاني الكثير أقله لا يوجد ملاعب ذات مستوى دولي لخوض المباريات الرسمية، ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أتى على مرافق مدينة كميل شمعون الرياضية، فضلاً عن الضائقة التي تعانيها اللعبة برغم سعي إدارتها الدائم لتأمين الموارد للأندية والمنتخبات، إلا أنها تكاد لا تذكر مقارنة بإمكانيات وميزانيات المنافسين.
إلا أن الآمال تبقى موجودة، حيث يضم لبنان مواهب رياضية مميزة في كافة الرياضات ولا سيما الجماعية، لكن من دون أي إلتفاتة حكومية ولا إدراك منها بأن الرياضة أصبحت صناعة وإقتصاد وليست مجرد "هواية".