"يعتقد نفسه أنه في ملعب المدرسة" قال بابلو باييس ممازحاً عندما سُئل عن نجله غافي الذي بلغ للتو سن الـ 18 عاماً، غير أن هذا الشاب خطّ ببصمات عملاقة مسيرته الكروية من أعماق الأندلس حتّى مونديال قطر.
من ملاعب قاحلة ومغبرة في الأندلس إلى عظمة ملعب "كامب نو" في برشلونة، العشب المتقن لأكاديمية "لا ماسيا" والعرس الكروي العالمي في قطر من 20 تشرين الثاني حتّى 18 كانون الأوّل، لا شيء يمكن أن يقاوم الصعود الصاروخي لهذا الطفل صاحب الشعر المجعد والأربطة المنسدلة واللسان المضغوط على خده.
لخّص لويس إنريكي مدرب إسبانيا في حزيران ما يمرّ به لاعبه الشاب بعدما دفعه لحرق المراحل في "لا روخا" قائلاً: "لا أحد يمكن أن يقول انه لا يعشق غافي".
فهذا الطفل، الذي صعد، وهو محرج، إلى خشبة مسرح شاتليه في 17 تشرين الأوّل في باريس خلال حفل توزيع جوائز الكرة الذهبية لتسلم جائزة كوبا لأفضل لاعب شاب في العالم، هو نفسه الذي أذهل مدربه الأول منذ 12 عاماً.
في نادي لا ليارا بالومبييه، على بُعد 30 كيلومتراً من إشبيلية، يتذكر مانويل باسكو الملقب "باتايا" في مقابلة مع وكالة "فرانس برس": "مراهق متحفظ ومنطو، لكنه يتمتع بروح الفكاهة، والذي كان يعاني بالفعل من هذا الهوس بلسانه. أعتقد أن بابلو (يناديه باسمه الاول) لن يفقده أبداً".
وبينما كان يبحث في هاتفه عن الصور المصفرة للطفل غافي، أغمض باتايا (64 عاماً) عينيه وقرص شفتيه.
يتذكر المربي الذي استمر في متابعة معجزته خلال السنوات الثلاث التي قضاها في ريال بيتيس: "بقي معنا لمدة سنتين، من ستة لحين بلوغه ثمانية أعوام. ثم رآه نادي بيتيس يلعب وقرر التعاقد معه".
"8 على 10"
غير أن باتايا لم يتمكن من متابعة تسارع خطوات جوهرة الجنوب، ففي عام 2013 وحين كان ريال بيتيس يخوض دورة كروية في مدينة ألغارف البرتغالية، بات محط أنظار كشافي برشلونة.
وفي سن الـ 11 عاماً، أختير بابلو مارتن باييس غافيرا، المكنى غافي، أفضل لاعب في الدورة وانتقل إلى كاتالونيا.
يقول أحد الكشافين لفريق انكليزي لـ"فرانس برس": "في سن مبكرة، لم يكن دائماً اللاعب الأكثر استثنائية على أرض الملعب، لكنه كان دائماً ثابتاً. ونادراً ما كان يستحق تسعة من أصل عشرة، ولكن دائماً ثمانية من أصل عشرة".
حتى عائلته لم تتمكن من اللحاق بخطواته المتسارعة، فوالده الذي كان يدير حانة في قريته لوس بالاسيوس إي فيافرانكا، انتقل بدوره إلى بيتيس كعامل يجيد القيام بكل شيء بعد التعاقد مع نجله. ثم قرّر الوالدان الانتقال إلى برشلونة في بداية رحلة غافي في "لا ماسيا".
رهان ناجح لابن الـ 11 عاماً مع موهبة قلّ نظيرها، كما قيل. في حين كان غافي يطمئن من حوله قائلاً حسب ما نقل باتايا: "لا تقلقوا. في سن الـ 12 عاماً سأتعاقد مع فريق كبير".
هي ثقة تتناقض مع قلقه. فعندما كان مراهقاً دفعته روحه التنافسية إلى البكاء بعد الهزائم، كما يتذكر فرانك أرتيغا مدربه السابق في مركز تدريب برشلونة والمدرب الحالي لمنتخب الإمارات ما دون 20 عاماً في مقابلة مع "فرانس برس".
صعوبات في النوم
رأى خولين غيريرو مدرب المنتخب الإسباني ما دون 17 عاماً أن: "المنافسة تحفزه أكثر من أي شيء آخر".
توقه النهم للنجاح سيميز الرجل واللاعب، "صاحب الرقم 10 صغير، ممتلئ الجسم، ولكن مع لمسة ساحرة للكرة"، ومعجب بإيسكو وأندرياس إنييستا، كما يقول الكشاف، ويتابع: "عندما كانت أرضية الملعب صغيرة، وعرة، والمباراة شديدة وخشنة، عانى معظم اللاعبين. أما غافي فكان يعشق ذلك".
حتى اليوم، يواجه غافي صعوبة في النوم قبل وبعد المباريات. ولكن على الرغم من ومضات القلق هذه، حافظ على ارتباط وثيق مع "لا ماسيا"، فعندما خطا خطواته الأولى مع الفريق الأول وفي المنتخب في سن الـ 17 عاماً، كان ما يزال يعيش في غرفة صغيرة وفرها له برشلونة.
ورغم ذلك، تغيّرت حياته اليومية. مدد عقده مع برشلونة حتّى عام 2026 مع بند جزائي بقيمة مليار يورو لتحريره، وبات يصل إلى التمارين برفقة زملائه على متن سيارات فارهة.
غالباً ما يتوقف غافي لتحية المشجعين، ويعود بانتظام لرؤية رفاقه السابقين في الفريق الرديف الكاتالوني.
تسارعت رواية غافي في غضون بضعة أشهر، وهي مذهلة، اكتشف عالم الاحتراف ودوري أبطال أوروبا وإسبانيا وأوروبا. ثم دافع عن ألوان "لا روخا" حيث بات أصغر لاعب وهداف في صفوفه. والآن أحد نجومه الكبار.