لم يكن واسع الشهرة بين أبناء كرواتيا عندما تولى قيادة المنتخب الوطني قبل خمسة أعوام، كتب المدرب الكرواتي زلاتكو داليتش تاريخ كرة القدم في البلد البلقاني، بعدما بلغ مع "فاتريني" نهائي كأس العالم 2018.
وبعد أربع سنوات، يخوض المدرب الاستراتيجي البالغ 56 عاماً، نهائيات كأس العالم مرة جديدة، في قطر بين 20 تشرين الثاني و18 كانون الأول.
لدى تعيين داليتش في تشرين الأول 2017، رأى رئيس الاتحاد الكرواتي السابق دافور شوكر أنه يريد إحداث "صدمة إيجابية" لفريق لديه حظوظ ضئيلة في التأهل إلى مونديال روسيا.
إختيار لاعب الوسط الدفاعي السابق، الذي أمضى غالبية مسيرته التدريبية الجيدة في منطقة الخليج العربي، لم يحظ بالثقة لدى شعب الدولة الصغيرة البالغ تعداد سكانها نحو 4 ملايين نسمة.
بعد مرور تسعة أشهر فقط، بلغ الفريق بقيادة لوكا مودريتش نهائي المونديال الروسي، فأضحى داليتش من بين أشهر الكرواتيين.
أكثر من 550 ألف شخص، احتشدوا لاستقبال اللاعبين بفرحة عارمة في زغرب. ومنذ الاستقلال عام 1991، كان أكبر تجمع شعبي شهدته البلاد في تاريخها الحديث منذ إستقبال البابا يوحنا بولس الثاني عام 1994، في هذا البلد الكاثوليكي، في العاصمة الكرواتية.
وجاء في مقدمة كتاب "روسيا أحلامنا" الذي يروي قصة الملحمة الكرواتية في مونديال 2018: "داليتش هو النيزك الكرواتي الأكثر قوة الذي خطّ طريق المشوار المذهل بالنسبة إلى شخص يُعدّ مجهولاً للناس العاديين إلى شخص يعاني الآلام في رقبته بسبب التعرض لطعنات متعددة في ظهره نسبة إلى إنجازاته".
متواضع وبسيط
الأب لطفلين الذي لطالما تحدث عن تفانيه لعائلته، ولد عام 1966 في مدينة ليفنو التي باتت حالياً جزءاً من البوسنة والهرسك بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة.
يُكنّى بإسم "دالا"، في عمر السابعة عشرة استهل مشواره في نادي هايدوك سبليت الكرواتي، في الفترة التي كان البلدان يتبعان للاتحاد اليوغوسلافي. قضى مشواره كلاعب كاملاً في الأندية اليوغوسلافية السابقة بما فيها الكرواتية، قبل أن ينتقل إلى التدريب عام 2000. وفي الخامسة والعشرين، بدأ يكوّن أسلوبه في مهماته الجديدة.
روى صديقه واللاعب الدولي السابق دافور فوغرينيتس في أعقاب إحدى الحصص التدريبية: "كان يدوّن كل ما نقوم به في دفتر ملاحظات بمجرد خروجنا من الملعب. هذه هي الطريقة التي صنع بها دليلاً تدريبياً كاملاً".
بين 2010 و2017، درّب داليتش في الكثير من الأندية الكبيرة في السعودية (الفيصلي والهلال) والإمارات العربية المتحدة (العين)، حيث اختير مرتين كأفضل مدرب. وبلغ نهائي دوري أبطال آسيا 2016 مع العين الإماراتي.
نال إشادات كثيرة من قبل خبراء كرة القدم، بهدوئه ومثابرته، وكمدرب قادر على استخراج الطاقة الإيجابية من عناصره، فضلاً عن قدرته على اتخاذ القرار المناسب.
ويعد داليتش من أشد المؤيدين للعمل الجماعي والتماسك، خارج إجراءات العمل التدريبي. عُرِف لدى الكرواتيين خلال مشواره في مونديال روسيا 2018، بـ"النبل والوحدة".
أكد ميروسلاف "تشيرو" بلاجيفيتش، وهو أحد أهم المدربين في تاريخ منتخب كرواتيا والذي قاد المنتخب إلى المركز الثالث في في مونديال 1998 أن داليتش: "فهم على نحو سريع ما هو المهم". وأوضح "شيخ المدربين في كرواتيا": "الموهبة، الدافع، الكاريزما، ذكاء اللاعبين، العمل الدؤوب، مواجهة التحديات، كل هذا مهم"، وتابع: "عمل داليتش في روسيا بروحية الكل للواحد، والواحد للكل، وهو شعار وضعه داليتش فوق الجميع".
ويكشف داليتش، المعروف بإلتزامه الديني الكاثوليكي، للصحافة بأنه يحمل السبحة في جيبه ويكثر الصلاة قبل كل مباراة. الرجل الذي أصبح أول مدرب يقود "فاتريني" (اللهب) في ثلاث بطولات كبرى، قال: "إذا رأيتم يدي في جيبي خلال أي مباراة فهذا يعني أنني أشعر بالتوتر وأمسك بالسبحة".
كتب داليتش لاحقاً في مذكراته في روسيا: "عشنا وهماً تحول إلى حقيقة".
أوائل تشرين الأول الماضي، قطع داليتش مسافة 120 كيلومتراً ليحجّ إلى قرية ميدجوغورييه في البوسنة حيث تمثال السيدة العذراء (هو أكبر مركز للحج الكاثوليكي في البوسنة)، قبل نحو شهر ونصف الشهر من المونديال.
وفي العام الماضي، مدد عقده إلى نهاية بطولة كأس أوروبا 2024 التي تستضيفها ألمانيا، بعدما كان قاد المنتخب في النسخة القارية الماضية 2021 حيث إنهار المنتخب الكرواتي في دور الثمانية، واصفاً الوظيفة بأنها: "أكبر امتياز يمكن أن يحصل عليه أي مدرب".
وفي قطر، يحلّ المنتخب الكرواتي في المجموعة السادسة مع كندا والمغرب وبلجيكا.