كأن استاد لوسيل بات ملحقاً للملعبين الأسطوريين "لا بومبونيرا" و"مونومونتال" في بوينوس أيرس، بحيث تحول الى معقل للأرجنتين في مونديال قطر، بعدما استضاف ليونيل وميسي ورفاقه لثلاث مباريات، وسيكون معهم على الموعد مجدداً، الثلثاء، لاحتضان 40 ألف من مشجعيهم في نصف النهائي ضد كرواتيا.
وبعد الفوز على هولندا في ربع النهائي بركلات الترجيح، قال ميسي: "نستفيد من هذه اللحظات مع الأشخاص الموجودين هنا وفي الأرجنتين، حيث يشعر الجميع بنشوة" الانتصار.
ومنذ بداية نهائيات النسخة الثانية والعشرين، كان الجمهور الأرجنتيني العلامة الفارقة في الدوحة.
وبحسب تقديرات السفارة الأرجنتينية في قطر، خطط بين 35 و40 ألف أرجنتيني لحضور كأس العالم ومساندة منتخب بلاده في مسعاه لإحراز اللقب الأول منذ 1986 والثالث في تاريخه، ما جعل جمهور "ألبيسيليستي" الأكبر في العاصمة القطرية الى جانب مشجعي المكسيك والسعودية والآن المغرب.
ولا تنحصر مساندة فريق المدرب لويس سكالوني بالأرجنتينيين وحسب، بل يتهافت أيضاً للوقوف خلفه الآلاف من الهنود والبنغلادشيين العاملين في قطر ومشجعين من المنطقة.
تغذى ميسي ورفاقه طوال البطولة من الحماس القادم من المدرجات واستفادوا من ميزة الشعور كأنهم يلعبون على أرضهم تقريباً، ووحده المنتخب المغربي يتفوّق عليهم من ناحية الدعم الجماهيري في العاصمة القطرية من بين المنتخبات الأربعة المتواجدة في نصف النهائي.
"من أجل 45 مليوناً"
وفي مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، قال نجم فرنسا السابق بطل مونديال 1998 دافيد تريزيغيه الذي نشأ في بوينوس أيرس لعائلة أرجنتينية، إنه "مقارنة بفرنسا على سبيل المثال، نشعر أن الأرجنتين ليست على نفس المستوى (فنياً) حتى الآن. لكن ما يساعدها هم مشجعوها".
وفي نهاية كل من المباريات التي فازوا بها، بقي لاعبو الأرجنتين على أرضية الملعب للاحتفال مع الجمهور، وغالباً ما كانوا يرددون أنهم كانوا يلعبون من أجل "45 مليون" أرجنتيني.
وقال حارس المرمى إميليانو "ديبو" مارتينيز، بطل ركلات الترجيح ضد هولندا في ربع النهائي، إن "ما أفعله، أنا أفعله من أجل 45 مليوناً. إنهم يمرون بفترة اقتصادية سيئة. منح الفرح للناس هو أفضل شيء يحدث لي في الوقت الحالي".
بالنسبة لتريزيغيه، فإن الوضع الحالي في الأرجنتين هو في الواقع عامل يفسر العلاقة الخاصة بين اللاعبين و"هينتشاس"، أي المشجعين المتفانين.
وأوضح "أول صورة عالقة في ذهني عن فريق الأرجنتين كانت في المكسيك عام 1986. كان هناك جنون في ذلك الوقت، لكن ليس الجنون الحالي. في حينها، كان هناك الجانب الرياضي لكن كانت هناك أيضاً مخاوف اجتماعية واقتصادية في البلاد، مما يجعل الشغف أكبر".
في الأرجنتين، نقلت وسائل الإعلام المحلية الكثير من القصص لمشجعين ادَّخروا لمدة أربعة أعوام من أجل تحمل تكاليف الرحلة الى قطر، وقاموا بتغيير الـ"بيسو" الى دولار حتى لا يفقدوا قيمة ما ادَّخروه لأن التضخم يلتهم القوة الشرائية للمواطن (بلغ 76.6 بالمئة منذ مطلع العام الحالي).
"من لا شيء إلى كل شيء"
ومن بين الذين قدموا الى قطر من أجل مؤازرة ميسي ورفاقه في كتيبة سكالوني، هناك بيتو، ابن الستين عاماً الذي التقت به وكالة فرانس برس في سوق واقف خلال دور المجموعات.
بيتو مغترب ويعيش في الولايات المتحدة وليس في الأرجنتين، إلا أن ذلك لم يؤثر على شغفه حيال كرة القدم والمنتخب الوطني وفق ما أفاد، قائلاً "على الرغم من أني عشت في الولايات المتحدة لفترة طويلة، فإذا قطعت معصمي سيتدفق الدم الأزرق والأبيض".
وتابع "لدينا شغف كبير حيال كرة القدم. نعاني كثيراً يومياً لأن هناك مشاكل في بلدنا، فالاقتصاد ليس على ما يرام. لكن كرة القدم تمنحنا هذه الطاقة التي تسمح لنا بالانتقال من لا شيء الى كل شيء".
هذا الشغف وهذا الرابط الذي يوحد الشعب الأرجنتين، تعكسهما أغنيتان تضج بهما مدرجات الملاعب في قطر بعنواني "فاموس أرخنتينا" و"موتشاتشوس" التي تعتبر من الأناشيد غير الرسمية للمنتخب والتي تستجلب، بالإضافة الى ميسي، ذكريات مارادونا ووالديه دون دييغو ودونا توتا، لكن أيضاً ذكريات جزر فوكلاند المتنازع على سيادتها بين بريطانيا والأرجنتين والتي شهدت حرباً عام 1982 خلفت 649 قتيلاً أرجنتينياً و255 بريطانياً.
وفي مقابلة مع "فرانس برس" قبل انطلاق المونديال القطري، أوضح مدير متحف فوكلاند في بوينوس أيرس إدغاردو إستيبان أن "الأرجنتين بلد معقد فيه العديد من الانقسامات السياسية. لكن جزر فوكلاند هي مصدر إجماع، كما حال المنتخب الوطني لكرة القدم. نشعر جميعاً بهذا الانتماء".
"بدأنا نؤمن مرة أخرى"
وبحلم إحراز لقب طال انتظاره منذ 1986، ينشد الأرجنتينيون في المدرجات "+موتشاتوس+ (أيها الأولاد)، اليوم، بدأنا نؤمن مرة أخرى. أريد أن نفوز بالثالث، أريد أن أكون بطل العالم! بالنسبة لدييغو، بإمكاننا أن نراه في السماء بجانب دون دييغو ولا توتا يساند ليونيل!".
ويريد ليونيل كل المساندة الممكنة من زملائه من أجل تخطي كرواتيا الثلثاء ومن بعدها الفائز من مواجهة الأربعاء بين فرنسا حاملة اللقب والمغرب الذي يمني النفس بمواصلة الحلم بعدما بات أول منتخب أفريقي يصل إلى نصف النهائي.