بدأ الإيطالي-السويسري جياني إنفانتينو، الذي لطالما كان محور انتقادات من دون أن يهتزّ، ولاية جديدة على رأس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي يديره منذ العام 2016، لتحقيق مشاريع متعددة يحبّ خوضها بالمجابهة تحت طائلة المخاطرة بتوتر في العلاقات أو الاستسلام أحياناً.
يكمن طموح إنفانتينو البالغ 52 عاماً في عبارتين: "استعادة صورة فيفا" و"جعل كرة القدم عالمية حقاً". هاتان العبارتان روّج لهما السويسري على مدى سنوات وقدّم نفسه من خلالهما على أنه ضامن للنزاهة والمساواة في الفرص داخل الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
ولولا الفضائح التي أطاحت سلفه بلاتر في نهاية العام 2015، ثم الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي (يويفا) ميشال بلاتيني الذي كان مؤكداً أنه سيخلفه، لراهن مراقبون قليلون على هذا المحامي الذي لا يملك تاريخاً رياضياً لقيادة الهيئة الناظمة لكرة القدم التي تتخذ من زيوريخ مقراً لها.
وإذا كان النظام الأساسي للاتحاد ينصّ على وضع حد لثلاث فترات مدّة كلّ واحدة أربع سنوات، إلا أن إنفانتينو يمهّد الطريق للبقاء حتى 2031، معلناً منتصف كانون الأول انه لا يزال "في الولاية الأولى"، معتبراً ان ولايته الأولى (2016-2019) لم تكتمل.
كان إنفانتينو المولود في 23 آذار 1970 في بريغ السويسرية، والمتزوج من اللبنانية لينا الأشقر، أمينا عاما للمركز الدولي للدراسات الرياضية، وعمل مستشارا لهيئات رياضية عدة في إيطاليا وإسبانيا وسويسرا قبل بدء العمل مع الاتحاد الاوروبي في آب (أغسطس) 2000 في قسم الشؤون القانونية والتجارية.
عمل من 2004 الى 2007 رئيسا لقسم الشؤون القانونية، ثم أمينا عاما موقتا مع الاشراف على قسم الشؤون القانونية (2007-2009)، وأخيرا أمينا عاما منذ تشرين الأول 2009 في فترة رئاسة بلاتيني.
شبهات تواطؤ
لا يتراجع إنفانتينو، القادر على التحدّث بست لغات، أو يتردّد باطلاق مشاريع أو أفكار جديدة، وهو الذي قال قبل مونديال قطر 2022: "أشعر أني عربي، أفريقي، مثلي، معوّق، عامل مهاجر"، بعد أن عانى من "التمييز" كطفل إيطالي و"أحمر الشعر" في مقاطعة فاليه السويسرية.
على الصعيد الإداري، شهدت ولايته الأخيرة إصلاحاً واسعاً في الانتقالات (إنشاء تراخيص للوكلاء وتحديد سقف لعمولاتهم)، انشاء إجازة أمومة لجميع اللاعبات المحترفات، وقواعد انضباطية أكثر حماية لضحايا الاعتداءات الجنسية.
يتفاخر إنفانتينو بذلك في كل جمعية عمومية للاتحاد الدولي، قائلاً: "لقد تمكنّا من القيام بذلك لأنه في +فيفا الجديد+ المال لم يعد يتبخر، إنه يعود إلى من له الحق فيه".
يمكنه التفاخر أيضاً بميزانية صلبة، مع ارتفاع الدخل بنسبة 18% والاحتياط 45% لدورة 2019-2022، مقارنة مع الدورة السابقة.
ارتياح مالي، سمح لـ"فيفا" برفع مساعداته للاتحادات القارية والوطنية، لتلعب دور ماكينة إعادة التوزيع، رغم تساؤلات حول تأثير هذا الأمر على الانتخابات.
صورة النزاهة تلك التي يؤكد طواعية إنها النقيض التام لعهد بلاتر، عانت من إجراءات فُتحت ضد إنفانتينو في تموز 2020 بتهمة "التحريض على إساءة استخدام السلطة"، و"انتهاك السرية" و"عرقلة الإجراءات الجنائية".
تتهمه العدالة السويسرية بعقد ثلاثة اجتماعات سرية في عامي 2016 و2017 مع مايكل لاوبر المدعي العام الاتحادي آنذاك، ما أثار شبهات تواطؤ بين الادعاء وفيفا، الطرف المدني في معظم الإجراءات التي استهدفت قادة كرة قدم سابقين بمن فيهم بلاتر وبلاتيني.
طعن دفاع إنفانتينو بالمدعي الأول الذي يحقق في هذه القضية، لكن قاضيين آخرين تناولاها، وفتحا الأسبوع الماضي من دون اتخاذ أي إجراء، الجزء الثاني المتعلق برحلة بطائرة خاصة قام بها رئيس "فيفا" في العام 2017.
يجمع أم يفرّق؟
طالما ان إنفانتينو يستمتع بدعم 35 اتحاداً من أميركا الوسطى، بينها عدد من الجزر الكاريبية، او الاتحادات الإفريقية الـ54، بمقدوره دغدغة الدول الأوروبية الكبرى: الحديث عن كأس العالم كل سنتين بدلاً من أربع قبل عدوله عن رأيه العام الماضي، أو بمنع بعض المنتخبات من ارتداء شارة قائد "حب واحد" الداعمة للمثليين في مونديال قطر.
وفي خطوة حسّاسة أيضاً، قرّر الاتحاد الدولي في 16 كانون الأوّل توسيع رقعة المشاركين في مونديال الأندية إلى 32 فريقاً بدءاً من صيف 2025. مشروع حارب إنفانتينو لأجله منذ عدة سنوات، لإغراء شركات النقل ومنافسة دوري أبطال أوروبا الذي يُعدّ دجاجة ذهبية للاتحاد القاري (يويفا).
لكن هذه المبادرة قد توقظ الانقسامات في كرة القدم: في اليوم عينه، ندّد المنتدى العالمي للروابط الذي يضم نحو أربعين بطولة، بـ"القرارات الأحادية" لفيفا في وقت تبدو الروزنامة "مثقلة"، ما يهدّد صحّة اللاعبين، التوازن بين الأندية واقتصاد المسابقات الوطنية.
والثلثاء، قرّر الاتحاد الدولي اعتماد 12 مجموعة من 4 منتخبات في مونديال 2026 الذي تستضيفه الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وسيضمّ للمرة الأولى 48 منتخباً.
وكان "فيفا" رفع عدد المنتخبات المشاركة في هذه النسخة من 32 الى 48 وسيرتفع عدد المباريات بالتالي من 64 الى 104.
واعتبر "فيفا" أن هذا النظام الجديد "يخفف خطر التواطؤ ويضمن خوض كل المنتخبات 3 مباريات على الاقل كما يؤمن راحة متوازنة لجميع المنتخبات المشاركة".
ورغم ازدحام الروزنامة الدولية أصلاً، وهو موضوع شائك بامتياز، أطلق فيفا في خريف العام 2021، فكرة إقامة كأس العالم مرة كل سنتين، لكنها دفنت في الربيع التالي في مواجهة معارضة كبيرة.
في تلك العملية، حاول إنفانتينو استخدام نبرة أكثر توافقية قائلاً "نحن نعلم أنه من المهم النقاش"، واعداً بـ"احترام كامل" للمسؤولين الكرويين في حال فاز بولاية جديدة.