النهار

ستيف كير بين ثقافة الفوز والضمير الأخلاقي والاجتماعي
المصدر: "أ ف ب"
ستيف كير بين ثقافة الفوز والضمير الأخلاقي والاجتماعي
ستيف كير
A+   A-
قد يكون الفوز بأي لقب أربع مرات كمدرّب وخمس مرات كلاعب من الإنجازات النادرة جداً في أي رياضة كانت، وليس في دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين وحسب، لكن تميّز ستيف كير ليس محصوراً بدوره الرياضي بل يمتد إلى ضميره الأخلاقي والاجتماعي المتجذّر في دراما شخصية مروعة.
 
هناك اللاعب المتميز بتسديداته التي قادته للفوز مع شيكاغو بولز وأسطورته مايكل جوردان بلقب الدوري ثلاث مرات متتالية بين 1996 و1998 ثم مع سان أنطونيو سبيرز ومدربه الخارق غريغ بوبوفيتش مرتين عامي 1999 و2003.
 
وهناك المدرب، الذي فاز للتو بلقبه الرابع مع غولدن ستايت واريورز (2015 و2017 و2018 و2022)، وبات يسير على خطى بوبوفيتش (5 ألقاب) ومعلّمه الآخر أيام شيكاغو بولز فيل جاكسون (11 لقباً).
 
كير يعرف تماماً أن هناك معارك يجب خوضها أكثر أهمية بكثير من السعي للفوز بلقب رياضي، رغم جمالية الانجازات على أرض الملعب.
 
لم يتردّد ابن الـ56 عاماً في رفع الصوت عالياً حتى وإن كان ذلك في مواجهة شخص مثل دونالد ترامب الذي غالباً ما انتقد كير "سياساته المثيرة للاشمئزاز"، ما استدعى رداً من الرئيس الأميركي السابق، واصفاً مدرب ووريرز بـ "طفل صغير خائف".
 
ولعل ما قام به كير الشهر الماضي خلال سلسلة نهائي المنطقة الغربية ضد دالاس مافريكس أبرز دليل على انخراطه بالقضايا الاجتماعية، إذ رفض قبل المباراة الرابعة التطرق إلى المواجهة التي خسرها في النهاية فريقه، في ظل تأثره الواضح بالمأساة التي وقعت في مدرسة روب الابتدائية في ولاية تكساس، حين أطلق مراهق النار في مدرسة ما أدى إلى مصرع 19 تلميذاً وبالغين اثنين.
 
وانتقد كير بشدة المشرعين الأميركيين الذين يرفضون التصويت على قوانين أكثر صرامة في ما يخص الأسلحة، ضارباً يده على الطاولة ومتهماً إياهم بـ "احتجاز الشعب الأميركي كرهائن".
 
وقال كير للصحافيين: "لن أتحدّث عن كرة السلة. أي أسئلة تتعلق بكرة السلة لا تهم"، مضيفاً: "منذ أن أنهينا حصتنا التدريبية (في دالاس)، قُتل 14 طفلاً (قبل أن يرتفع الرقم لاحقاً) على بعد 400 ميل من هنا، ومُعلِّم. في الأيام العشرة الماضية، قُتِلَ أشخاص سود من كبار السن في سوبرماركت في بافالو، وقُتِلَ مصلون آسيويون في كنيسة جنوب كاليفورنيا، الآن لدينا أطفال قتلوا في المدرسة".
 
وتساءل كير بغضب كبير: "متى سنفعل شيئًا ما؟ سئمت. لقد سئمت من الاستيقاظ هنا لتقديم التعازي للعائلات المنكوبة. طفح الكيل".
 
مأساة والده
ومن أجل فهم خلفيات كير الذي هو أيضاً على خط المواجهة ضد العنصرية ووحشية الشرطة، يجب أن نعود إلى 18 كانون الثاني 1984.
 
في ذلك اليوم، انهار عالمه كطالب في جامعة أريزونا: والده مالكولم، رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، أصيب برصاصتين في الرأس على يد مسلّحين.
 
لم يعد كير إلى لبنان حيث ولد من أجل توديع والده، ولجأ إلى هذه الكرة البرتقالية التي جعلته مدمناً على الرياضة.
 
لكن للمأساة عواقبها من دون شك، لأنه "عندما توفي والدي، كان عمري 18 عاماً. كنت لا أزال يافعاً. لقد غير ذلك رؤيتي للعالم، وطريقة فهمي له التي تغذيها العديد من الأوهام"، وفق ما قال لشبكة "أن بي سي".
 
أطلق عليه زملاؤه لقب "آيس"، أي الجليد، نظراً لبرودة أعصابه التي كان بأمس الحاجة اليها حين صرخ مشجعو فريق منافس لفريق جامعة ولاية أريزونا حيث كان يدرس ويلعب كرة السلة في وجهه بعد أربعة أعوام على المأساة "أين والدك؟ منظمة التحرير الفلسطينية! منظمة التحرير الفلسطينية!"، خلال فترة الإحماء.
 
لقد حطمه ذلك، لكن ذلك لم يمنعه من بدء المباراة أساسياً وتسجيله 20 نقطة في الشوط الأول، بعدما نجح في جميع محاولاته الست من خارج القوس.
 
وبعدما اختاره فينيكس صنز في "درافت" عام 1988، وصل كير الى شيكاغو عام 1993 بعدما مر بكليفلاند كافالييرز وأورلاندو ماجيك.
 
لكمة جوردان
ورغم بلوغه الأدوار الإقصائية عامي 1994 و1995 عجز كير عن التأهل مع بولز الى نهائي الدوري في ظل قرار جوردان بالاعتزال، لكن مع عودة الأخير تغيرت الأمور وذاق كير مرارة مواجهة "جلالته" حتى في التمارين، حين قام الأخير بلكمه في عينه خلال احتكاك بينهما.
 
لن كير كسب احترام جوردان الذي وثق به حين مرّر له كرة الثلاثية في الثانية الأخيرة من المباراة السادسة لسلسلة النهائي ضد يوتاه جاز عام 1997، والتي منحت بولز لقبه الخامس.
 
ومزح كير بشأن ما حصل حينها بالقول: "مايكل لم يكن مرتاحاً، لذلك كان علي أن أنقذه مرة أخرى".
 
وبعد 15 عاماً وأكثر من 900 مباراة وأفضل نسبة نجاح في التسجيل في التاريخ (45.4 بالمئة)، اعتزل كير عام 2003، ولم يكن في عجلة من أمره لتولي مهام أخرى في الدوري، لكنه تألق كمحلل تلفزيوني لصالح شبكة "تي أن تي" قبل أن يعود عام 2007 الى فريقه السابق فينيكس صنز لتولي منصب المدير العام حتى 2010.
 
في 2014، عرض عليه فيل جاكسون الذي يشغل منصب رئيس نيويورك نيكس في حينها، أن يتولى تدريب الفريق، لكن كير فضل البقاء بجانب عائلته في كاليفورنيا واختار غولدن ستايت.
 
وبعدها نعرف قصة نجاح لافت حققه مع الفريق الذي أحرز معه أربعة ألقاب في ست مشاركات في النهائي وأفضل رقم في التاريخ خلال الموسم المنتظم (73 فوزاً مقابل 9 هزائم) موسم 2015-2016.
 
بالإضافة الى ثقافة الفوز، أسس روحاً عائلية داخل ووريرز "والجميع يتحدّث حول شؤون تتناول مواضيع مجتمعية وسياسية وغيرها" وفق ما كشف مساعده بروس فريزر لصحيفة "غارديان" عام 2018
 
ومرة أخرى، كان بوبوفيتش وجاكسون مهمين جداً في طريقة عمل كير لأنه "كان لهما تأثير عميق، ليس فقط على تدريبي بل أيضاً على حياتي. لقد جعلا اللاعبين يفهمون مدى أهمية كرة السلة، لكن مع الإدراك بأن هناك أموراً أهم في الحياة".

اقرأ في النهار Premium