قائدُ كتيبة اللقب الأول، مُهندس مسار الثاني، والعقلُ المدبّر لاستراتيجية رفع كأس ثالثة. ها هو ديدييه ديشان "العتّال" العتيق قاب مباراة واحدة في نهائي مونديال قطر 2022، من كتابة تاريخ جديد للكرة الفرنسية التي اعتادت في عهده على الانتصارات.
تحوّل مشوار فرنسا في نهائيات كأس العالم هذه إلى انتصار لديشان بالذات، إذ أنه بوصوله إلى النهائي للمرة الثانية توالياً، حقق فوزاً أول على أولئك الذين اعتبروا أنه بقي طويلاً في منصبه.
فوزٌ على منتخب مغربي طموح في نصف النهائي، منحه بطاقة التواجد في النهائي، وفرصة أن يكون مدرّب المنتخب الأول منذ 60 عاماً الذي ينجح في الدفاع عن لقبه، وليكون ديشان أيضاً أول مدرب يفوز باللقب مرتين منذ المدرّب الإيطالي الداهية فيتوريو بوتسو في الثلاثينيات.
بات "العتّال" أو "حامل المياه" كما استخف به يوماً مواطنه النجم السابق إريك كانتونا، صاحب دور محوريّ في مركز لاعب الوسط الدفاعي مع "الديوك" وقدرة على الانسيابية في نقل الكرة لبناء الهجمات، وبعد أن اصبح مدربا للمنتخب سيّد قراره بالبقاء في منصبه الذي يشغله منذ عشرة أعوام، أو الرحيل بعد البطولة.
عُيِّن ديشان مدرباً للمنتخب على أنقاض فشل مونديال جنوب أفريقيا 2010 وبعد الاستغناء عن خدمات لوران بلان الذي أمضى عامين مع "الديوك"، فقاده إلى قمة الكرة المستديرة بالتكريس العالمي الثاني في مونديال روسيا 2018، عقب خسارة نهائي كأس أمم أوروبا 2016 على أرضه أمام البرتغال صفر-1.
ولكن منذ التتويج الروسي، تراجعت نتائج فرنسا، مع إقصاء فجائي من ثمن نهائي كأس أمم أوروبا 2021 أمام سويسرا (5-4بركلات الترجيح بعد التعادل 3-3 في الوقتين الأصلي والإضافي)، رغم عودة كريم بنزيمة من العزلة الدولية.
لكن المفارقة اليوم في موضوع بنزيمة غريبة بعض الشيء. فالبطولتان الوحيدتان اللتان لم يصل فيهما ديشان إلى النهائي كمدرّب (مونديال 2014 وكأس أوروبا 2021)، كانا بوجود نجم ريال مدريد الإسباني في التشكيلة.
أما في مونديال قطر، الذي غاب عنه بنزيمة جسدياً قسراً بسبب الإصابة في تدريبات ما قبل الانطلاقة، لا يزال اسم أفضل لاعب في العالم موجوداً على الورق.
في غيابه، برز أوليفييه جيرو بشكل مذهل، حيث سجل المهاجم المخضرم أربع مرات في قطر، بما في ذلك هدف الفوز ضد إنكلترا.
"نصائح بدلاً من العمل الشاق"
قرر ديشان قبل البطولة أن يتخلى عن تجربته مع دفاع مكون من ثلاثة لاعبين، ويعود إلى طريقة 4-3-3.
الأهم من ذلك، أنه حلّ معضلة خط وسطه من خلال تحويل المهاجم أنطوان غريزمان إلى أحد أفضل صانعي الألعاب في البطولة.
كان لاعب أتلتيكو مدريد الإسباني متألقاً مرة أخرى ضد إنكلترا والمغرب، رغم تراجع لياقته مع انطلاقة كأس العالم ومن دون أي هدف دولي منذ أكثر من عام.
قال النجم الأسبق لـ"الديوك" الذي ظفر بكأس العالم 1998 إلى جانب ديشان، دافيد تريزيغيه لوكالة "فرانس برس" إن المدرّب وزميله السابق "على دراية بجودة لاعبيه ونجومه، في كأس عالم يحتاج نوعاً ما إلى القليل من النصائح بدلاً من الاضطرار إلى القيام بالكثير من العمل الشاق".
وأضاف أن: "ديشان فهم لاعبيه وتمكن من إقناعهم جميعاً ببذل أقصى ما في وسعهم".
هناك هالة حيال اللاعب السابق البالغ من العمر 54 عاماً والذي يرتبط اسمه بأعظم لحظات المنتخب الفرنسي على مدار ربع القرن الماضي.
كان ديشان قائداً للمنتخب الفرنسي في أول لقب مونديالي في العام 1998، وحصد بطولة كأس أوروبا في العام 2000، قبل أن يظفر بالمونديال كمدرّب في روسيا قبل أربع سنوات.
سجلّ المنتخب الفرنسي في البطولات الكبرى مؤخراً هائل. فقد فازوا مرتين من النسخ الست الماضية من كأس العالم، وبلغوا نهائياً آخر من دون الفوز في مونديال 2006.
قادهم ديشان أيضاً إلى نهائي كأس أوروبا 2016، وباتت فرنسا الآن على بعد مباراة واحدة فقط من لقب ثان توالياً سيدخلها التاريخ.
يقول مساعده غي ستيفان: "إنه هادئ للغاية. لقد أعدّ لهذه المنافسة بشكل جيد للغاية".
وأضاف: "كان يعرف بالضبط ما يريد القيام به. لديه خبرة البطولات الكبرى، وهذه الخبرة تفيد المنتخب".