في ظل التركيز على المواجهة المنتظرة الأحد في نهائي مونديال قطر في لوسيل بين الأرجنتيني ليونيل ميسي وزميله كيليان مبابي، بدا قائد المنتخب الفرنسي وحارسه هوغو لوريس مهمشاً إعلامياً لكنه سيكون بدوره على موعد مع التاريخ في حال نجح "الديوك" في الاحتفاظ باللقب.
التركيز على المهاجمين والهدافين ليس بالأمر الجديد، لكن ذلك لا يلغي أهمية المراكز الأخرى بالتأكيد، لاسيما حراسة المرمى التي شهدت عبر تاريخ كأس العالم عظماء مثل السوفياتي ليف ياشين، الإنكليزي غوردون بانكس، الإيطالي دينو زوف ومواطنه جانلويجي بوفون أو الألمانيين أوليفر كان ومانويل نوير والإسباني إيكر كاسياس.
وبعدما أُحرِج بسؤال حول ما تقوله الصحافة الإنكليزية وتحديداً صحيفة "ذي تلغراف"، عشية مواجهة منتخب بلادها في ربع نهائي مونديال قطر عن أنه نقطة ضعف أبطال العالم، أجاب حارس توتنهام الإنكليزي بالقول: "ليس لدي أي رسالة لوسائل إعلامهم. أفضل أن أرد على أرض الملعب. نحن لسنا بحاجة الى أي دوافع إضافية".
"منحنا أنفسنا فرصة ذهبية.. تاريخية"
وبالفعل، رد ابن الـ35 عاماً على أرض الملعب ولعب دوراً رئيسياً في إقصاء الإنكليز ثم ساهم في تخطي المغرب في دور الأربعة، ليبلغ ورفاقه النهائي الثاني توالياً.
بعد الفوز على المغرب في نصف النهائي 2-صفر، قال لوريس: "كان علينا تقديم جهود مضاعفة. نحن مرهقون لكننا سعداء. لقد منحنا أنفسنا فرصة ذهبية بأن نكون جزءاً من تاريخ فرنسا. إنه النهائي الثاني لنا في أربعة أعوام".
والآن، يجد ابن الـ35 عاماً نفسه أمام فرصة تاريخية إذ سيصبح أول قائد يرفع كأس العالم مرتين في حال واصل تألقه الأحد في مواجهة ميسي ورفاقه في المنتخب الأرجنتيني.
ويخوض لوريس النهائيات العالمية الثالثة له كقائد للمنتخب وقد كلل هذه المشاركة بتحطيمه الرقم القياسي لعدد المباريات الدولية بقميص "الديوك" خلال مباراة ربع النهائي ضد الإنكليز والذي كان مسجلاً باسم ليليان تورام (142).
رأى لوريس عشية معادلته الرقم القياسي لبطل مونديال 1998 والذي بات 144 بعد نصف النهائي أمام المغرب، أنه: "انجاز صغير. أنا حقاً فخور بهذه الأرقام حتى وإن كانت ثانوية جداً مقارنة مع واقع أننا عشية خوض الدور ثمن النهائي من كأس العالم (فازت فرنسا على بولندا)".
وبدأ حارس توتنهام الذي يحتفل في 26 الحالي بميلاده السادس والثلاثين، مشواره مع "الديوك" في تشرين الثاني 2008، بعد أشهر معدودة على قرار تورام باعتزال اللعب مع المنتخب الوطني.
وفي إطار تقليله من أهمية الوصول الى رقم تورام، قال لوريس: "برأيي، هذه البطولة تأتي قبل أي شيء آخر... بالنسبة للرقم القياسي، هذا أمر سأقدره حين تنتهي البطولة وآمل أن تنتهي بأفضل طريقة ممكنة".
وأفضل طريقة ممكنة ستكون أن تصبح فرنسا الأحد ثالث منتخب فقط يحتفظ باللقب العالمي بعد إيطاليا عامي 1934 و1938 والبرازيلي عامي 1958 و1962، ما سيجعل من لوريس أول قائد يرفع الكأس مرتين في مسيرته.
من مياتسا إلى دونغا مروراً ببيليني ومارادونا
خلال تاريخ كأس العالم، حصل العديد من اللاعبين على فرص لرفع الكأس مرتين كقادة لمنتخباتهم، لكنهم إما خسروا النهائي أو خسروا شارة القائد لصالح زملائهم مثلما حصل مع البرازيلي بيليني الذي كان قائد منتخب بلاده في مونديال 1958 لكنه جلس على مقاعد البدلاء في النسخة التالية وخسر شارة القائد لصالح ماورو راموس.
بعد أربعة عقود، كان بإمكان قائد برازيلي آخر أن يرفع الكأس للمرة الثانية بشخص لاعب الوسط دونغا المتوج عام 1994، لكن الفرنسيين أنفسهم حرموه من ذلك بالفوز على "سيليساو" بثلاثية نظيفة عام 1998.
وقبل أن ينتزع لوريس ورفاقه مقعدهم في نهائي النسخة الثانية والعشرين، كانت البرازيل هي آخر فريق يصل إلى نهائيات متتالية أعوام 1994 و1998 و2002.
وقبل دونغا، اختبر الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا نفس السيناريو، إذ وبعد تتويجه كقائد عام 1986 على الأراضي المكسيكية، وعاد وخسر في نهائي إيطاليا عام 1990 على يد ألمانيا التي ثأرت لخسارتها قبل أربعة أعوام.
وكان هناك أيضاً الأسطورة الإيطالية جوزيبي مياتسا الذي توج باللقب مرتين عامي 1934 و1938. بدأ أساسياً في كل من النهائيين لكنه كان القائد في الثاني فيما حمل الحارس جامبييرو كومبي الشارة في الأول.
رجلان مختلفان
قرار منح لوريس شارة قيادة المنتخب الوطني جاء بعد المشاركة الكارثية في مونديال 2010 والتمرّد الشهير على المدرب ريمون دومينيك الذي أدى في النهاية إلى انتهاء المشوار عند دور المجموعات.
ومنذ حينها، فرض لوريس نفسه الحارس الأمين ليصل بعد 12 عاماً إلى اعتاب التاريخ بتواجده في: "نهائي كبير، هناك كل مكونات النهائي الكبير. الأرجنتين فريق رائع. لقد أظهروا مدى قدرتهم التنافسية طوال هذه البطولة وإضافة الى ذلك لديهم هذا اللاعب (ليونيل ميسي) الذي دون اسمه في تاريخ رياضتنا. لكني أعتقد أننا نملك أيضاً الأسلحة للرد وسيتعين علينا أن نجلب هذه المواجهة لصالحنا".
وسيكون لوريس أحد أهم هذه الاسلحة التي سمحت لمنتخب "الديوك" بتعويض خيبة خسارة نهائي كأس أوروبا 2016 على الأراضي الفرنسية لصالح برتغال كريستيانو رونالدو، والفوز باللقب العالمي الثاني في روسيا 2018.
وفي مقابلة مع وكالة "فرانس برس" عشية مشاركته الرابعة في النهائيات العالمية، قال الحارس الذي بدأ مسيرته مع المنتخب عام 2008 بدعوة من دومينيك، إن: "الفتى الذي كان عمره 23 عاماً، عندما حصلت على شارة القيادة، والرجل الذي أنا عليه اليوم مختلفان تماماً، حتى لو التزمت بالمبادئ نفسها".