عانت البرازيل كابوساً صادماً عندما استضافت مونديال 2014، على غرار كارثة ماراكانازو 1950، فأذلتها ألمانيا 1-7 في نصف النهائي، ثم أحرز "دي مانشافت" لقبه الرابع واصبح أول أوروبي يُتوّج في أميركا الجنوبية، حارماً الأرجنتيني ليونيل ميسي من الإنضمام إلى نادي أبطال العالم.
عملاً بنظام التناوب بين القارات، عادت كأس العالم إلى أميركا الجنوبية للمرة الأولى في 36 سنة.
وفيما كانت البرازيل متفائلة اقتصادياً لدى منحها حق الاستضافة اضافة إلى احتضان أولمبياد ريو 2016، احتج مليون متظاهر قبل كأس القارات 2013 على الاوضاع الاقتصادية المتردية، وعلى إنفاق 4 مليارات دولار لبناء منشآت المونديال.
لكن ما ان انطلقت صافرة البداية حتى تفرغ الجميع للمستديرة، في 12 ملعباً موزّعة على 12 مدينة، شهدت أجواء حماسية للاعبين والجماهير.
طُبّقت تكنولوجيا خط المرمى لأول مرّة بعد اعتمادها في كأس القارات ومونديال الأندية، استُخدم الرذاذ المتلاشي لتحديد مكان وقوف حائط الصد قبل تسديد الركلات الحرة، ومنح الحكام وقتاً مستقطعاً لثلاث دقائق بحال تخطي الحرارة 32 درجة مئوية.
عواطف جياشة
كان مونديال الصدمات والدموع. سقوط مذل لإسبانيا صاحبة ثلاثية أوروبا 2008 و2012 ومونديال 2010، أمام هولندا ثالثة البطولة 1-5، قبل خروجها خالية الوفاض وفقدان هيبتها.
لم تكن حال البرتغال ونجمها كريستيانو رونالدو صاحب الكرة الذهبية، أفضل فتعرّضت لهزيمة نكراء أمام ألمانيا 0-4 في الجولة الأولى أيضاً.
أجهش حارس مرمى البرازيل جوليو سيزار بالبكاء، على هامش ركلات ترجيح ضد تشيلي في ثمن النهائي كان بطلها بتصديه لركلتين.
انهمرت الدموع من عيني النجم البرازيلي نيمار، صاحب 4 أهداف في خمس مباريات، عندما ترك الملعب على حمالة في الدقائق الأخيرة من ربع النهائي ضد كولومبيا وهداف النهائيات خاميس رودريغيز (6)، إثر تعرضه لكسر في احدى فقرات الظهر بعد خطأ قاس من خوان تسونيغا، فغاب عن نصف النهائي المروع.
بكى مدافع البرازيل دافيد لويز، الذي حمل شارة القائد في غياب تياغو سيلفا الموقوف، طالباً العفو والمغفرة بعد السقوط المذل أمام المانيا في نصف النهائي.
وتميزت نسخة 2014 بعضّة "الدراكولا" الأوروغوياني لويس سواريز على كتف المدافع الايطالي جورجو كييليني، فأوقف تسع مباريات وحُرم ممارسة أي نشاط رياضي لأربعة أشهر.
سكين وثلج
الثامن من تموز 2014، 58 ألف متفرج بملعب مينيراو في بيلو هوريزونتي، ألمانيا تتقدّم البرازيل 5-0 في الدقيقة 29! النتيجة النهائية 7-1! نتيجة كارثية لراقصي السامبا، لم يختبروا مثلها سوى مرة يتيمة أمام الأوروغواي (0-6) في 1920.
خاضت بطلة العالم خمس مرات البطولة بأداء مهزوز، وقال مدافعها دانتي: "لا تعكس النتيجة فارق النوعية بين المنتخبين، بل النفسية التي قاربنا فيها هذا المونديال. كان الضغط علينا كبيراً لدرجة لم نتمكّن من المواجهة".
اعتذر المدرب لويز فيليبي سكولاري، المتوّج في 2002، من الشعب: "هذه الليلة عشت اسوأ لحظة في مسيرتي وتاريخي الكروي. جميعنا لعب دوراً في هذه الكارثة، لكن في نهاية المطاف أنا من اختار التشكيلة ووضع الاستراتيجية. اتحمل المسؤولية".
وكتب الصحافي البرازيلي جوكا كفوري: "تناثرت كرة القدم البرازيلية كالغبار. دخل البرازيليون الميدان بسكين بين أسنانهم والألمان واضعين الثلج في قلوبهم".
"لم نشعر بالأسف"
حققت ألمانيا ثاني أكبر فوز في تاريخها المونديالي، بعد اكتساح السعودية 8-0 في 2002، ولم يستطع أي منتخب تسجيل هذا الكم من الأهداف في هذه المرحلة المتقدمة من البطولة.
قال قائدها فيليب لام: "لم نشعر بالأسف للبرازيليين، لكن تعاملنا معهم باحترام".
أما الحارس السد مانويل نوير فشرح: "عندما عدنا إلى معسكرنا، لم يكن الموظفون البرازيليون سعداء بالنتيجة. لكن في الوقت عينه كانوا سعداء لأجلنا. الأهم بالنسبة لهم كان عدم تتويج الأرجنتين بكأس العالم".
ميسي سيندم طيلة حياته
كان نهائي ماراكانا الثالث بين ألمانيا والأرجنتين بعد تتويج الأخيرة في 86 والأولى في 90، وجاء متقارباً. كان الثالث توالياً يحتاج لوقت إضافي لحسم النتيجة.
أهدرت "ألبي سيليستي" الغائب عنها أنخل دي ماريا المصاب، ثلاث فرص سانحة لغونزالو هيغواين، ميسي ورودريغو بالاسيو، وألمانيا كرة في القائم لبينيديكت هوفيديس.
عندما دفع يواكيم لوف بماريو غوتزه، قال له: "اذهب واثبت للعالم انك أفضل من ليونيل ميسي".
استلم ابن الثانية والعشرين كرة على صدره تابعها من زاوية ضيقة في شباك سيرخيو روميرو في الدقيقة 113، ألمانيا بطلة للعالم مرّة رابعة بنفس نتيجة نهائي 90.
تحسّر ميسي افضل لاعب في البطولة رغم عدم تسجيله في الأدوار الاقصائية: "من المؤلم الخسارة بهذه الطريقة. كنا نستحق ما هو أفضل من ذلك. قد تكون ألمانيا سيطرت على الاستحواذ لكن كنا أكثر خطورة. هذا خطؤنا نحن المهاجمين، أهدرنا ثلاث فرص سانحة. سنندم على ذلك طيلة حياتنا".
لم نذهب لحمام شمس وكايبيرينيا
كان لام المعتزل دولياً بعد النهائي عن 30 سنة قد قال: "لن اذهب إلى البرازيل من اجل حمام الشمس"، مثل زميله توماس مولر: "لم نذهب إلى البرازيل لتناول مشروب كايبيرينيا: كنا في غاية التركيز".
عمل المدرب يواكيم لوف على تعزيز التماسك بين لاعبيه، لكن الإصابات مثل لاعبي الوسط لارس بندر وماركو رويس ونقص اللياقة البدنية اقلقاه قبل النهائيات.
علّق مولر: "لا اعرف كيف ننجح دوماً بخلق روح الجماعة. ربما يعود ذلك إلى أن الألمان أكثر هدوءاً واستعداداً للتضحية بذاتهم من أجل الجماعة. وربما لأننا لا نملك لاعباً واحداً متميزاً مثل ميسي او رونالدو".
وأصاب المهاجم ميروسلاف كلوزه عصفورين بحجر، فإلى اللقب أصبح أفضل مسجل في تاريخ كأس العالم (16 هدفاً) متخطيا البرازيلي رونالدو.