عادت البسمة الى الجنوب، الأرجنتينيون أنهوا 16 عاماً من الهيمنة الأوروبية على كأس العالم لكرة القدم، إلا أن "ثائراً كروياً" خرج من رحم أرض الفضة نثر الأفراح فيها، كاسراً انتظاراً دام 36 عاماً.
نصّب ليونيل ميسي نفسه سيداً لكرة القدم في القرن الحالي، صعد الى مرتبة "الأسطورة" الراحل دييغو أرماندو مارادونا، وبات مثلاً يحتذى على غرار إبن منطقته الثائر الأممي ارنستو "تشي" غيفارا، أنه "القديس الجديد" بالنسبة الى الأرجنتينيين، كيف لا وهو من جلب السعادة الى "الشعب الجنوبي".
ختم "البرغوث" مشاركاته المونديالية على أفضل نحو، وضع "ختمه" على الأرقام القياسية، لم يأبه لقوة الخصم الفرنسي الذي كان يمني النفس بلقب ثان على التوالي وثالث في تاريخه بقيادة الشاب الهداف كيليان مبابي، فكان الأرجنتيني في الموعد على ستاد لوسيل في العاصمة القطرية الدوحة، ليتفنن ويسجل ويمرر، وكاد ان ينغّص الفرنسيون "حلم" صاحب الرقم عشرة، عندما أدركوا التعادل مرتين، لتنتهي المباراة بوقتها الأصلي بالتعادل 2-2 ثم في الإضافي 3-3 ويحتكم الطرفان الى ركلات الترجيح التي تألق فيها الحارس إمليانو مارتينيز ليمنح بلاده اللقب أمام زهاء 90 ألف متفرج وملايين المشاهدين حول العالم.
أبهرت قطر تنظيماً، وجاء الختام مسكاً في البوم الوطني ليكون الإحتفال مضاعفاً، لا يمكن لأي شخص ان يكشف عن ثغرة، شهر كامل بلا أي خطأ، وجاء العرض الفني للمباراة النهائية مثالياً إذ شهد ستة أهداف، تحت نظرات الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جاني إنفانتينو الى رؤساء الاتحادات القارية ومشاهير وأعلام سياسية ومالية ورياضية.
"الإبهار" القطري
وبعد حفل ختامي بدأ بالموسيقى وبعض الشعر الذي ألقاه تميم البرغوثي، اشتعلت الأجواء في الملعب مع تأدية أغاني المونديال الرسمية، قبل تأدية النشيدين الوطنيين لفرنسا من المغنية المصرية فرح الديباني، وللأرجنتين من لالي إسبوسيتو.
الكل أجمع على "الإبهار القطري" في تنظيم النسخة الأفضل في التاريخ، بشهادة كل من حضر الى قطر لمشاهدة المباريات أو تابعها عبر أي وسيلة حول العالم، بانتظار مناسبات أخرى ستنظم في "الإمارة العنابية" بينها كأس الأمم الآسيوية مطلع 2024، فضلاً عن أن قطر رفعت سقف التنظيم الى أعلى الدرجات وسيكون صعباً جداً على أي دولة أو دول ان تنظم البطولة في المستوى نفسه.
لقب الأسطورة!
كما أجمع الكل على أحقية ميسي في نيل هذه الكأس الوحيدة التي كانت تنقص خزائنه، وتم رفعه الى مصاف العظماء في اللعبة، وفي الأرجنتين، حتى بات يطلق عليه لقب "الثائر الثالث" بعد غيفارا ومارادونا. دمغ ميسي التاريخ بطابعه الخاص، ولا سيما في المسابقة الرياضية الأهم في العالم، دوّن الأرقام القياسية بإسمه كأكثر لاعب خوضاً للمباريات في تاريخ البطولة (26 مباراة) في خمس مشاركات، وأكثر اللاعبين خوضاً للدقائق، فضلاً عن العديد من الأرقام القياسية، لكن كل هذه الأرقام بالنسبة إليه كانت غير مفيدة ما لم يحرز اللقب الأغلى على قلوب الأرجنتينيين "كأس العالم". مسيرة ميسي مع "ألبي سيليستي" عرفت الكثير من المنعرجات والخيبات، عدة مباريات نهائية لازم فيها الحظ العاثر أفضل لاعب في العالم سبع مرات، بينها نهائي مونديال 2014 في البرازيل أمام ألمانيا، إضافة الى نهائيين في مسابقة "كوبا أميركا" وكلاهما بركلات الترجيح على يد تشيلي، إلا أن الأعوام الأخيرة بدأت انصافه فقاد ميسي منتخب "تانغو" الى لقب بطولة أميركا الجنوبية المهمة لأول مرة منذ 1993، ثم فكّ شيفرة الكأس الذهبية على أرض عربية، ليكرّس نفسه أسطورة الى جانب عظماء اللعبة التاريخيين إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق بنظر الكثيرين ولا سيما في آخر جيلين، ويرفع الكأس الذهبية بعدما ارتدى "العباءة الأميرية" على يد "أمير قطر".
في المقابل لم يكن المنتخب الفرنسي خصماً سهلاً، أكد علو كعب تشكيلته بقيادة المهاجم مبابي الذي توج هدافاً للمسابقة (8 إصابات) وبقيادة المدرب ديدييه ديشان الذي يمتلك فريقا "مرعباً" قادرا على العودة بقوة بعد أربع سنوات في مونديال "أميركا الشمالية" في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بمشاركة 48 منتخباً.