نجوى ياسين- مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط
يشهد لبنان حقبة جديدة في مجال الرياضة، بفضل تسليط الضوء بصورة متزايدة على مشاركة النساء في الأحداث الرياضية. كانت الرياضة تاريخيًا حكرًا على الرجال إلى حدٍّ بعيد، لكن تميُّز النساء اللبنانيات في المجال الرياضي يمثّل تحدّيًا للمعتقدات الراسخة حول الأدوار التي يحدّدها المجتمع لكلًّ من المرأة والرجل، ويُفسح المجال أمام تعزيز المساواة بين الجنسَين في الميدان الرياضي.
خيرُ مثالٍ على التقدّم المُحرَز في هذا المجال هو صعود نجم منتخب لبنان في كرة السلة للسيّدات. لا شكّ في أن الإنجازات الكبرى التي حقّقها الفريق تكشف عن مدى تنامي قدرات النساء في الرياضة. ففي العام 2021، أظهر لبنان براعة منتخبه النسائي من خلال الفوز ببطولة كأس آسيا لكرة السلة للسيّدات، المستوى الثاني، التي ينظّمها الاتحاد الدولي لكرة السلة (FIBA). وتمكّن المنتخب اللبناني من تحقيق فوز كاسح على دولة الأردن المُضيفة بنتيجة 80-40، وضمان موقعه في المستوى الأول في العام 2023. وفي أحدث مباراة للتصنيفات في كأس آسيا، أثبت لبنان أن منتخبه استحق بجدارة مركزه الجديد في صدارة المستوى الثاني. وبفضل السلة التي وضعتها في الدقيقة الأخيرة قائدة الفريق ريبيكا عقل، مسجلةً إنجازًا جديرًا بالثناء بـ27 نقطة في المباراة، حقّق المنتخب اللبناني فوزه بفارق نقطتَين على منتخب تايوان الوطني Chinese Taipei الذي كان يُعتبر الأوفر حظًا.
لا يجب أن يشكّل هذا الإنجاز مفاجأةً، إذ إن النساء الرياضيات في لبنان، ومن بينهنّ سيّدات المنتخب الوطني لكرة السلة، يخضعن لتدريبات مكثّفة وبالمستوى نفسه من الالتزام تمامًا مثل نظرائهنّ الرجال، ويضغطن على أنفسهنّ إلى أقصى حدّ، ويمارسن تمارين بدنية شاقة لشحذ مهاراتهنّ. وما الساعات التي يمضينها في النادي الرياضي أو في الملعب إلّا خير دليل على شغفهنّ وسعيهنّ لتحقيق التميُّز.
لكن على الرغم من الجهود التي تبذلها الرياضيات اللبنانيات وتفانيهنّ، غالبًا ما يواجهن تحدّيات لنيل الاعتراف بإنجازاتهنّ والإضاءة عليها، وتعترضهنّ عقبات من شأنها تقييد فرصهنّ وعرقلة تقدّمهنّ، بدءًا من ممارسات التمييز على أساس النوع الاجتماعي ووصولًا إلى التوقّعات التي يحاول المجتمع فرضها عليهنّ. واقع الحال إذًا أن النساء الرياضيات يخضن غمار مشهد معقّد لا تحظى فيه إنجازاتهنّ بتقدير كافٍ حينًا أو يتم تجاهلها بالكامل حينًا آخر. لكن، من خلال التغلّب على هذه العقبات والتفوّق في رياضاتٍ هيمن عليها الرجال تاريخيًا، تسهم النساء الرياضيات، سواء الهواة أو المحترفات، في تعزيز قدرات الفتيات اللبنانيات وتشجيعهنّ على متابعة شغفهنّ في الميدان الرياضي من دون خوف أو تردّد.
لا شكّ في أن الإنجازات التي لا تتم الإضاءة عليها بشكل كافٍ تبقى محدودة النطاق. لذلك، تلعب وسائل الإعلام دورًا بالغ الأهمية، وتحديدًا التلفزيون، الذي يسهم أكثر من أي وسيلة أخرى في الإضاءة على إنجازات الرياضيين والرياضيات وفي محاربة الصور النمطية، سواء كانت متعلقة بالتمييز على أساس العرق أو النوع الاجتماعي. قد يستطيع ربما دعم الرياضيات في لبنان والعالم العربي كما فعل مع الرياضيات الأميركيات من أصول أفريقية في الولايات المتحدة.
قد نكتشف ذلك في وقت قريب. فقد أبرمت المؤسسة اللبنانيّة للإرسال (LBCI)، وهي إحدى المحطات التلفزيونية الكبرى في لبنان، اتفاقًا مع الاتحاد الدولي لكرة السلة، اشترت بموجبه حقوق البثّ الحصري في البلاد للبطولات الدولية والقارية الكبرى لغاية العام 2025. وفي إطار التحضيرات لموسم حافل خلال النصف الثاني من العام الجاري، أطلقت المحطة في حزيران/يونيو حملةً لدعم ثلاثة منتخبات وطنية تُنافس في بطولات عالمية في الخارج وهي: المنتخب اللبناني للسيّدات خلال مشاركته في كأس آسيا للسيّدات في أستراليا، والمنتخب اللبناني للشباب دون الـ19 عامًا في كأس العالم لكرة السلة للشباب دون الـ19 عامًا في المجر، والمنتخب اللبناني للرجال الذي يُشارك في كأس العالم لكرة السلّة في الفلبين واليابان وإندونيسيا.
وأسوةً بجميع الرياضات الجماعية، كرة السلة هي مجهود تعاوني. ولكن أحيانًا يبرز لاعب معيّن، مثلما برزت ريبيكا عقل من خلال إنجازاتها البطولية على أرض الملعب. وإذا استطاعت اللاعبة أن تثبت حضورها أيضًا خارج الملعب، فسوف تُسلَّط عليها الأضواء بقوّة أكبر، ومنى يعقوب مثالٌ على ذلك.
بدأت مسيرة اللاعبة يعقوب بقيادتها خط الهجوم في فريق كرة السلة للسيدات التابع لنادي أنترانيك الرياضي اللبناني. حاليًا، تتولى قيادة خط الهجوم في فريق هومنتمن برج حمود، حيث تُراكم في رصيدها النقاط والتمريرات الحاسمة. ولكن يعقوب تركت أثرًا أيضًا خارج الملعب، من خلال عملها في التلفزيون. فهي معلّقة ومقدّمة برامج رياضية في المؤسسة اللبنانية للإرسال، حيث توظّف خبرتها وحماستها في ميدان الصحافة الرياضية.
تستفيد يعقوب من معلوماتها وخبراتها الواسعة والقيّمة في عملها. فبما أنها لاعبة، تفهم جيدًا اللعبة وتتّسم تعليقاتها بطابع فريد من نوعه خلال البث المباشر للمباريات. فضلًا عن ذلك، يمكن أن تشكّل يعقوب مصدر إلهام للفتيات الصغيرات لدى مشاهدتها على الشاشة، ما يشجّعهنّ على خوض مهنة الصحافة الرياضية والبثّ الرياضي مستقبلًا. يوجّه حضورها على الشاشة رسالة قويّة بأن للنساء مكانًا مستحَقًّا في الإعلام الرياضي، وبأنهن جديرات بالحصول على فرص متساوية لإيصال أصواتهنّ ووجهات نظرهنّ.
ولكن على الرغم من النجاحات المشجّعة التي تحققها أعداد متزايدة من النساء اللبنانيات في الرياضة والصحافة الرياضية أو البثّ الرياضي، من المهم الإقرار بأنهنّ يواجهن تحدّيات جمة. ففي لبنان وبلدان أخرى كثيرة مثلًا، ثمة تفاوت كبير بين الجنسَين في تولّي الوظائف التدريبية، ولا سيما في الرياضات التي يهيمن عليها الرجال. والحال هو أن تولّي النساء مهام التدريب يحمل آفاقًا وخبرات وأساليب قيادية فريدة إلى عالم الرياضة، إذ يسهم حضورهنّ في تعزيز بيئة حاضنة للجميع تثمّن التنوّع والتكافؤ في الفرص.
علاوةً على ذلك، يُعَدّ التمويل ضروريًا لتطوّر الرياضة النسائية ونجاح الفرق اللبنانية في المسابقات الدولية. لقد أبدى الاتحاد اللبناني لكرة السلة دعمه للمنتخب الوطني للسيدات، إدراكًا منه لطاقاته والتزامه، وتمكّن الفريق من استقطاب بعض الجهات الراعية. ولكن لا تزال ثمة حاجة ملحّة للدعم المالي الإضافي والاستثمار المستمر، في البنى التحتية والفرص المهنية على السواء، للحفاظ على الزخم الذي تحقّق وضمان قدرة الأجيال المستقبلية من اللاعبات على التألّق في مسيرتهّن.
في نهاية المطاف، لا يزال المسار المستقبلي للرياضة الاحترافية النسائية في لبنان مجهولًا، وأي تقدّم في هذا المجال سيكون مرهونًا بعوامل عدّة، بعضها خارج سيطرة اللاعبات اللبنانيات، ولكن بعضها الآخر في متناول أيديهنّ. فعلى سبيل المثال، إذا تمكّن منتخب لبنان للسيدات في كرة السلة، الذي يخوض مسيرة استثنائية، من التأهّل لكأس العالم في كرة السلة للسيدات الذي ينظّمه الاتحاد الدولي لكرة السلة في العام 2026، فسيسجّل سابقة في تاريخه. هذا فضلًا عن أن مثل هذا الإنجاز يرفع من شأن الرياضة النسائية في لبنان بصورة عامة، لا بل من الممكن أن يفتتح بداية حقبة المساواة الحقيقية بين الجنسَين في لبنان.