في الحديقة العامة القريبة من ميدان الشهداء في قلب العاصمة طرابلس، يجتمع مئات الليبيين والجالية الأجنبية المقيمة في البلاد، لمتابعة منافسات كأس العالم لكرة القدم المقامة في الدوحة، مستغلين مساحة ترفيهية تعزلهم عن واقع الانقسام والفوضى التي تضرب ليبيا منذ 2011.
نُصبت في وسط الحديقة الواقعة أمام ما يعرف بطريق الشط الأشهر في العاصمة والبلاد عموماً، شاشة عملاقة من جانب شركة الخدمات العامة (حكومية) المعنية بالنظافة والتهيئة العمرانية، في مبادرة لنقل مجاني لكامل مباريات كأس العالم قطر 2022.
كما نصبت شاشات أخرى في طرابلس وفي ميادين مدن ليبية لنقل الحدث الكروي العالمي "مجاناً" أيضاً.
تم توفير مقاعد بلاستيكية تسع لمئات الأشخاص. وخلال مواعيد المباريات يجتمع المتفرجون مستمعين بالطقس المعتدل هذه الأيام رغم اقتراب فصل الشتاء.
وليد العماري، شاب ليبي دأب على الحضور ومشاهدة المباريات منذ اليوم الأول، يأتي رفقة أصدقائه لحضور مباريات المونديال، ويرى بأنها مبادرة لها "أثر نفسي إيجابي" على الشعب الليبي، الذي أرهق بفعل خلافات الساسة.
وقال العماري، وهو مرشح برلماني سابق، "الليبيون يحبون ويعشقون الرياضة، ونحن أملنا في الشباب الواعي، الذي صار لا يلتفت إلى السياسة التي لم نجن منها سوى الانقسام والفوضى".
وأضاف متحدثاً وخلفه شاشة تبث المنافسات، "وفّق القائمون على هذه المبادرة ونجحوا في إحداث فرق هائل في نفوسنا، أعتقد أن تأثيرها كبير على الدعم النفسي ومحو الآثار السلبية، التي أرهقت كاهل الليبيين بفعل الوضع السياسي الراهن".
"لا يوجد سعادة يشعر بها الليبيون إلا عبر كرة القدم، لأن السياسة التعيسة أغلقنا بابها للأبد"، يشاطر محمد الطرابلسي (68 عاما) الرأي السابق.
وأكد الطرابلسي الموظف المتقاعد، "لفتة رائعة. هناك عائلات وشباب لا يملكون وسيلة لمشاهدة كأس العالم الذي يبث بنظام الدفع المسبق، وكوننا نشاهدها مجانا هذا أمر جميل، ويجمع المئات من الشباب في جو ودي مفعم بالمحبة".
ويتساءل "أين نحن من مستوى الكرة والإدارة والآخرين الذين سبقونا؟". ويجيب متداركاً "تقدّم علينا جيراننا وأشقاؤنا العرب بمراحل وخطوات متقدمة جدا" في إشارة لنجاح قطر في استضافة المونديال، الذي يقام لأول مرة في الشرق الأوسط.
حضور أجنبي
ويبدو أن هذه المساحة الترفيهية تعني الكثير لليبيين العاشقين لكرة القدم والساخطين من السياسة، وسط الخلافات والانقسامات السياسة والاجتماعية في السنوات القليلة الماضية.
ولا يقتصر حضور المنافسات الكروية على الليبيين، بل سجل حضور الجالية الأجنبية المقيمة والزائرة للبلاد، حيث حرص العديد من الشباب الأفارقة من غانا والكاميرون وساحل العاج على مشاهدة المباريات، وآخرين من الجزائر وتونس ومصر.
خالد مصري مقيم في ليبيا منذ سنوات، يفضّل مشاهدة المباريات في هذا المكان وفي الأجواء المكشوفة الجميلة، بدلا من الأماكن المغلقة كالمقاهي.
وقال خالد وهو يعمل في مجال البناء والانشاءات، "أفضل الحضور في هذه المساحة المخصّصة للحضور المجاني لمنافسات كأس العالم، مكان جميل وقريب من البحر ويجتمع الناس في أجواء محبة وتآلف".
بدوره، يرى الجزائري الطاهر الذي قدم للسياحة في ليبيا، بطلب من أصدقائه الليبيين الذين يستضيفوه، بأن هذا المبادرة "تعكس الجو الإيجابي للبلاد والامان الذي تتمتع به".
وتابع لـ"فرانس برس": "الأجواء جميلة في ليبيا بكل أمانة.. جئت للسياحة بدعوة من الأصدقاء".
ولم تتأهل ليبيا رغم امتلاكها قاعدة كروية شعبية عريضة إلى منافسات كأس العالم طوال تاريخها، لكنها كانت قريبة في مناسبات عدة من تحقيق ذلك، بتسجيلها نتائج متقدمة في التصفيات الأفريقية المؤهلة للمونديال.