بعد 24 عاماً من المواجهة الأولى بينهما في كأس العالم لكرة القدم والتي وصفت بـ"أمّ المباريات"، تلتقي إيران والولايات المتحدة مجدداً في مونديال قطر 2022 الثلثاء، في نزال مشحون سياسياً وحاسم لبلوغ الأدوار الإقصائية.
عقود من الخصومة المتبادلة بين العدوّين الجيوسياسيين اللدودين هي الخلفية لما يبدو أنها ستكون مناسبة رياضية ساخنة على استاد الثمامة في العاصمة القطرية الدوحة.
في سياق البطولة رياضياً، تبدو الحسابات بسيطة. فوز أي من الفريقين يضمن له مكاناً في الدور الثاني، بينما الهزيمة تعني الإقصاء.
لكن المعنى الأبعد للتنافس في المجموعة الثانية يبدو أقل وضوحاً.
كانت الولايات المتحدة وإيران عدوّين أيديولوجيين لدودين لأكثر من أربعة عقود، فقطعتا العلاقات الدبلوماسية بعد الثورة الإسلامية في العام 1979، وتحديداً في العام التالي بعد أشهر من احتجاز عشرات الطلاب الأميركيين رهائن في السفارة الأميركية في طهران.
لكن يجب الانتظار لمعرفة مدى تأثير ذلك على مباراة كرة قدم يشارك فيها 22 لاعباً وتمتد على مدى 90 دقيقة في كأس العالم.
سعى مدرّب المنتخب الأميركي غريغ بيرهالتر جاهداً إلى التأكيد على أن لا أبعاد سياسية للمباراة المصيرية لبلاده.
قال في هذا الصدد: "لقد لعبت في ثلاث دول مختلفة، ودرّبت في السويد، والشيء الذي يميز كرة القدم هو أنك تقابل العديد من الأشخاص المختلفين من جميع أنحاء العالم، ويجمعك حب مشترك لهذه الرياضة".
وتابع: "أتصور أن المنافسة ستكون شديدة بسبب حقيقة أن كلا المنتخبين يريد العبور إلى الدور الثاني - ليس بسبب السياسة أو بسبب العلاقات بين بلدينا. نحن لاعبو كرة قدم وسنتنافس وسيتنافسون بدورهم وهذا كل ما في الامر".
لذلك، فقد تكون رغبة بيرهالتر في أن تغيب السياسة عن المناسبة مجرّد تمني.
ذلك أن عشية المباراة، وقعت زلّة نادرة في العلاقات بين البلدين، عندما أقدم الاتحاد الأميركي لكرة القدم على إزالة كلمة "الله" من علم الجمهورية الإسلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، في ما وصفه بالتضامن مع الاحتجاجات القائمة في إيران.
وشهدت إيران أكثر من شهرين من التظاهرات التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) اثر توقيفها بسبب انتهاكها المزعوم لقواعد لباس المرأة الصارمة في البلاد.
لكن الاتحاد الأميركي سرعان ما أزال المنشور الأحد بعد احتجاج من نظيره الإيراني لدى الاتحاد الدولي للعبة (فيفا).
ورود بيضاء وحسرة أميركية متأخرة
وبالتالي، فإن تلك الخطوة، أكّدت المؤكد بأن المواجهة بين المنتخبين لا يمكن إلا أن تحمل طابعاً سياسياً.
لذا، ستكون المواجهة المنتظرة إعادة لمباراة كأس العالم 1998 بين الخصمين الجيوسياسيين.
فخلال مشاركتها الثانية في كأس العالم، وجدت إيران نفسها في العام 1998 ضمن مجموعة عدوّها اللدود، الولايات المتحدة.
أقيمت تلك المباراة في مدينة ليون الفرنسية في 21 حزيران ومثّلت فرصة للتهدئة.
تسرّبت السياسة حينها لتنعكس خلافاً حيال طقوس المباراة. فرفضت إيران، التي اعتُبرت المنتخب الضيف، الالتزام ببروتوكول فيفا الطبيعي المتمثل في التوجّه إلى اللاعبين الأميركيين للمصافحة قبل انطلاق المباراة.
نُزع فتيل الأزمة المحتملة ببراعة من قبل الحكم السويسري أورس ماير، الذي اقترح أن يقف الفريقان لالتقاط صورة مشتركة.
امتثل الإيرانيون بسعادة مقدّمين باقات من الورود البيضاء إلى نظرائهم الأميركيين كرمز للسلام، ووقفوا كتفاً إلى كتف.
كشف مدرب إيران جلال طالبي والمدافع المخضرم محمد خاكبور في وقت لاحق عن مقدار ما استثمره الإيرانيون عاطفياً في اللعبة، التي يُنظر إليها في بعض الأوساط على أنها معركة ضد ممثلي "الشيطان الأكبر".
قال طالبي في مقابلة العام 2018: "فقط تخيل أن تسمع على مدى ستة أشهر مراراً وتكراراً، أن هذه اللعبة هي أهم لعبة في تاريخنا، وقد كانت كذلك بالفعل".
وأضاف خاكبور من جهته: "أنا شخصياً اتصل بي أشخاص استشهد أفراد عائلاتهم، ومن الذين فقدوا أطفالاً في الحرب العراقية الإيرانية. اتصل آباء وأمهات وقالوا، هذه اللعبة تهمّنا حقاً. عليك أن تذهب وتربح هذه المباراة من أجلنا".
ومنذ ذلك الحين، أعرب مدرب الولايات المتحدة في النهائيات حينها ستيف سامبسون، عن أسفه لأنه لم يستخدم التوترات السياسية بين البلدين كمحفز.
وقال سامبسون لمجلة "تايم": "لقد طالبنا فيفا والاتحاد الأميركي للعبة، واللجنة المنظمة في فرنسا، أن نجعل الأمر متمحوراً حول كرة القدم، وليس السياسة. وأنا وافقت على ذلك".
وأضاف أنه: "بعد فوات الأوان، فكرت أنني كنت سأجعل الأمر يتعلق بالسياسة. وظيفة المدرب هي استخدام أي أداة وكل أداة متاحة له لإعداد فريقه".
فاز الإيرانيون بالمباراة حينها (2-1) مسجّلين أوّل انتصاراتهم المونديالية.