على وقع حلم قاري يلتقي منتخبا الأردن وقطر في نهائي عربي خالص للنسخة الـ18 لكأس الأمم الآسيوية لكرة القدم على يحتضنه ملعب لوسيل المونديالي في العاصمة الدوحة.
يحلم منتخب "النشامى" بتتويج أول، من خارج التوقعات والترشيحات، مسطّراً انجازاً تاريخياً ببلوغ النهائي بعد اجتيازه عقبة المنتخب الكوري الجنوبي الصعب بهدفين نظيفين، أما العنابي فإنه يتطلع للاحتفاظ باللقب الذي كان قد توج به قبل أربع سنوات في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
وشرّع تأهل الأردن التاريخي باب التساؤلات عن انعكاس الإنجاز غير المسبوق على منظومة لعبة تعاني من تواضع مستوى الدوري المحلي، وأزمة ديون ما انفكت تتفاقم على الأندية بسبب انحسار عائداتها، فضلاً عن افتقاد المنشآت الرياضية لأبسط مقوّمات التحديث.
في مشاركته الخامسة، بلغ "النشامى"، بقيادة مدربه المغربي الحسين عموتة ونجوم يتصدّرهم موسى التعمري (مونبلييه الفرنسي) ويزن النعيمات (الأهلي القطري)، نهائي بطولة كانت أفضل انجازاته فيها دور الثمانية في 2004 و2011.
تمني الأمينة العامة للاتحاد الأردني سمر نصّار النفس بأن يحرّك هذا الانجاز المياه الراكدة "بدأ القطاع الخاص يتحرّك، وتحرّكت مشاعر الشعب". تتابع "نتمنّى أن يدعموا المسيرة ككل، وألا يقتصر الدعم على إنجاز المنتخب".
تضيف نصار (46 عاماً) "نحن استثمرنا بهذا المنتخب لأننا رأينا الطاقات الكامنة فيه، وكنا واثقين انه سيصل الى أبعد نقطة، وأهدافنا أبعد من كأس اسيا". لكن الأردن حصد حتى الآن نقطة يتيمة من مباراتيه في بداية التصفيات المشتركة لمونديال 2026 وآسيا 2027، بتعادله بشق النفس في طاجيكستان وخسارته على أرضه أمام السعودية.
وباستثناء التأهل العتيد، لم تشهد الكرة الأردنية على مدى تاريخها إنجازات كروية نوعية، إذ اقتصرت على التتويج بذهبية الدورة العربية في بيروت 97 وعمّان 99، فضلاً عن بلوغ الملحق النهائي المؤهل إلى مونديال 2014، حين خرج "النشامى" أمام الأوروغواي مع المدرب المصري حسام حسن. فيما اقتصرت إنجازات الأندية على ثلاثة ألقاب في كأس الاتحاد الآسيوي، بواقع بطولتين للفيصلي وواحدة لشباب الأردن.
كما تقتصر المشاركة في دوري أبطال آسيا على مقعد واحد يمنح لبطل الدوري شريطة اكمال متطلبات الترخيص، فيما يُمنح المقعد الآخر في كأس الاتحاد.
ويحترف 16 لاعباً من تشكيلة المنتخب الحالية في الدوري المحلي، معظمهم مع الفيصلي.
يؤكد الإداري المخضرم منعم فاخوري أيضاً أن اللاعبين في الأردن يضطرون للعمل في أكثر من مهنة غير كرة القدم لأن الرواتب متدنية جدًا "إما يعملون في جهة أمنية أو في أمانة عمّان، وهذا الأمر غير سليم للاعب المحترف".
وفيما اعتبر الحارس التاريخي للمنتخب عامر شفيع أن تواجد الأردن في هذا الموقع "أشبه بالمعجزة" نظراً لتواضع مستوى الدوري والحالة المادية المتردية للأندية، اعتبر مساعد عموتة، المدرّب عبد الله أبو زمع أن "ما تحقق يؤكد أن الأسلوب في المنتخب تغيّر، وسوف نستمرّ على هذا النسق".
و أشارت صحيفة الغد إلى أن "المطالبات تزداد حول ضرورة أن ترى الحكومة (الأردنية) هذا الإنجاز والبناء عليه في دعم الرياضة والرياضيين في الفترة المقبلة".
وتحت عنوان "إنجاز من رحم المعاناة للكرة الأردنية.. هل تلتفت له الحكومة؟" أضافت الصحيفة أن "مناشدات إدارات الأندية واتحاد الكرة ارتكزت في أوقات سابقة، على ضرورة أن يكون للحكومة دور في دعم الرياضة نظرًا لأهميتها المجتمعية وقدرتها على رفع اسم الوطن في المحافل المختلفة".
العنابي لتناسي خيبة المونديال
قبل انطلاق كأس آسيا لكرة القدم، استبعد معظم المحللين القطريين وصول "العنّابي" حامل اللقب إلى النهائي، عطفاً على اخفاقه في موندياله وتغيير مفاجئ طال مدربه، وهو ما أشار إليه بـ"حزن" النجم أكرم عفيف بعد قيادته بلاده للفوز على إيران في نصف النهائي.
رغم السعادة التي أظهرها في الملعب، عبّر المتألق عفيف (5 أهداف) عن حزنه لعدم ترشيح قطر "حزين لأنه لم يرشّحنا أحد قبل البطولة، وحزين لعدم الثقة بمنتخبنا".
كما في 2019 حين توّج بأوّل ألقابه الكبرى، خالف المنتخب القطري كل التوقعات وبلغ النهائي ضارباً موعداً تاريخياً مع الأردن، السبت في استاد لوسيل المونديالي.
بعد تصدّره مجموعته بثلاثة انتصارات على لبنان، طاجيكستان والصين من دون استقبال أي هدف، تجاوز فلسطين، ثم أوزبكستان بركلات الترجيح، قبل أن يطيح إيران العنيدة في مباراة دراماتيكية أظهرت ارتفاع نسقه الفني.
وحقق المنتخب القطري رقماً قياسياً بوصوله إلى 13 مباراة متتالية دون خسارة، لكنه، وبتعادله سلباً مع أوزبكستان في ربع النهائي (حُسمت بركلات الترجيح) أخفق في الوصول إلى رقم نظيره الإيراني الفائز 12 مرة توالياً بين 1968 و1976 حين توج باللقب ثلاث مرات.
يضيف عفيف، أفضل لاعب في آسيا 2019 "استمعت إلى بعض المحللين يرشحون إيران لأنها تملك بعض المحترفين في أوروبا أو قوّة بدنية، لكن المهم أن تملك الروح".
لم يأتِ استبعاد الخبراء والمحللين من فراغ، إذ يؤكد فهد العمادي، مدير تحرير صحيفة الوطن أن الترشيحات لم تصب لمصلحة العنابي، "عطفاً على النتائج الأخيرة وتغيير المدرّب، لكن هذا الأمر كان نقطة تحول للاعبين بعدما ابتعدوا عن الضغوط".
تابع العمادي "رأينا المنتخبات التي كانت مرشحة مثل السعودية، العراق، اليابان، وكوريا الجنوبية كيف خرجت من البطولة".
شكّلت الاستعانة مجدداً بالمدرسة الإسبانية، عبر تعيين الإسباني "تينتين" ماركيس لوبيس خلفاً للبرتغالي كارلوس كيروش قبل شهر من البطولة، فأل خير على المنتخب القطري الذي كان مدعواً لمصالحة جماهيره الحزينة بعد خروجه المخيّب من كأس العالم التي استضافها على أرضه قبل نحو عام، حين تكبّد ثلاث هزائم وخرج بخُفَّي حُنين من الدور الأول.
بسرعة، طبع لوبيس، القادم من تدريب نادي الوكرة القطري، بصمته مع "الأدعم" فارضًا بعض التغييرات التكتيكية التي اعتمدها سلفه كيروش، وقبله مواطنه فيليكس سانشيس، فلجأ إلى التدوير المستمر في المباريات مع تثبيته الثلاثي لوكاس منديش، المهدي علي، وبيدرو ميغيل في الدفاع، فضلاً عن جاسم جابر، ومحمد وعد في الوسط، والثنائي المعز علي وأكرم عفيف في الهجوم. أنعشت خطة لوبيس الحيوية بين اللاعبين، مع لجوئه الدائم إلى التنويع في الخطط واللاعب.
لم يعتمد على لاعب معيّن إلا وفق الظروف التي تناسبه، مثل الجوكر خوخي بوعلام، أحد نجوم البطولة السابقة الذي جلس احتياطياً معظم فترات البطولة قبل أن يشركه لوبيس في نصف الساعة الأخير من لقاء إيران معززاً ترسانته الدفاعية أمام المدّ الإيراني.