تحت أشعة الشمس الساطعة، وصلت الشعلة الأولمبية، الأربعاء، على متن السفينة بيليم ذات الصواري الثلاثة، قبالة سواحل مرسيليا، حيث رست مساءً وكان بانتظارها 150 ألف متفرج، وذلك بعد مرور مائة عام على دورة الألعاب الأولمبية الصيفية الأخيرة في فرنسا.
وحمل البطل الأولمبي في لندن 2012 السباح فلوران مانودو الشعلة من على سطح السفينة بيليم التي نقلتها من اليونان. وسلمها إلى بطلة الألعاب البارالمبية العداءة نانتينين كيتا، التي سلمتها بدورها إلى مغني الراب الفرنسي جول (34 عاما) لإشعال المرجل على رصيف الأخوّة (كي دو لا فراتيرنيتيه)، عند مصب نهر كانيبيير الشهير.
قال جول: "إنه أمر جنوني، إنه أمر سحري، إنه شرف بالنسبة لي، أنا فخور جداً بفرنسا وبمرسيليا على وجه الخصوص".
ومع دخول سفينة بيليم ميناء مرسيليا القديم محاطة بمئات القوارب الصغيرة تحت ناظري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حلّقت طائرات من فريق عرض سلاح الجو الفرنسي لتتبع الحلقات الأولمبية في السماء قبل أن تعود لترسم العلم الفرنسي بالألوان الأحمر والأبيض والأزرق في الهواء.
واستقبلت السفينة بعرض للألعاب النارية من "قصاصات الورق المعاد تدويرها القابلة للتحلّل"، وموسيقى أوركسترا مرسيليا الفيلهارمونية ولافتات لمشجعي نادي أولمبيك مرسيليا فريق كرة القدم الرمزي للمدينة، بعد رحلتها التي استغرقت 12 يوماً من اليونان، حيث تم اشعال الشعلة في أولمبيا في 16 نيسان.
يمثل وصول الشعلة بداية مسيرتها لمسافة 12 ألف كيلومتر (7500 ميل) عبر فرنسا وأقاليمها النائية وراء البحار.
وقال لوران بفيستر الذي جاء مع زوجته وطفله الصغير لوكالة "فرانس برس": "إنها لحظة خاصة للغاية بالنسبة لنا في مرسيليا، عندما نعرف شعب مرسيليا. نحن هنا للتكريم عندما يتم تنظيم مثل هذا الحدث".
قصاصات ورق قابلة للتحلل ولافتات
أخيراً، اختتم هذا اليوم بحفل موسيقي كبير لمغني الراب المولودين في مرسيليا، سوبرانو وألونزو والذي شكّل أيضاً تحدياً أمنياً، مع تعبئة أكثر من 6 آلاف من أفراد الشرطة، بما في ذلك ضباط شرطة من وحدات النخبة المتخصصة في الغارات أوّ أعضاء الألوية البحرية.
ويأمل المنظمون أن يساعد العرض العام الأول للألعاب على الأراضي الفرنسية، قبل 79 يوماً فقط من حفل الافتتاح الذي سيقام على نهر السين، في إشعال فتيل الإثارة بعد خلاف حول أسعار التذاكر والمخاوف بشأن الأمن.
"وأخيراً سننطلق! إنها البداية"، هكذا لخّص مساء الثلثاء توني إستانغيه، رئيس اللجنة المنظّمة لأولمبياد باريس، مدينة مرسيليا التي أصبحت "مركز العالم" كما عبّر بكل فخر عمدة المدينة بونوا بايان.
وتابع قرابة مليار مشاهد و150 ألف شخص في الموقع، بالإضافة إلى حوالي 1500 صحافي معتمد من جميع أنحاء العالم، وصول الشعلة.
"قبل فرنسا، مرسيليا تشتعل"، هذا ما كتبته صحيفة "لو باريزيان"، الصحيفة اليومية الوطنية الوحيدة التي خصّصت صفحتها الأولى لـ"الحمى الأولمبية".
منذ أيام عدة، وللتحضير لهذا الحدث البارز الأول قبل دورة الألعاب الأولمبية، كان العمل مكثفاً في ميناء مرسيليا القديم، في خليج لاسيدون نفسه حيث أسّس فيه البحارة اليونانيون الذين وصلوا قبل 2600 عام المستعمرة ماساليا التي تعرف اليوم باسم مدينة مرسيليا.
تمت زيارة جميع البواخر الراسية البالغ عددها 3400 بواسطة فرق إزالة الألغام وكلابها الـ80. وأضاءت الحروف البارزة لاسم مدينة مرسيليا والتي تم تركيبها عند المدخل الشمالي للمدينة بألوان الحلقات الأولمبية، مثل الأوبرا أو قصر الفارو.
وسيصل عدد القوى الأمنية بما فيها الوكلاء المستقلون للبحرية (رجال الإطفاء البحارة، وضباط الشرطة التابعون للبلدية، وغيرهم)، إلى 8500 شخص، أي أكثر من أولئك الذين تم نشرهم في أيلول 2023 خلال زيارة البابا فرنسيس.
كما ستكون مدينة مرسيليا التي سيتم مراقبتها براً وبحراً، تحت "فقاعة أمنية" جوية، مع طائرة مراقبة من طراز "أواكس"، وثلاث طائرات رافال، ومروحيات، وجهاز مضاد للطائرات بدون طيار.
ليس فقط الأشخاص السعداء
لكن وصول الشعلة إلى مرسيليا لا يجعل الناس سعداء فحسب. وحتى الثلثاء، أدان خمسة من دعاة حماية البيئة المنتخبين من مرسيليا "انحراف المثل الأولمبية"، في عمود نشر على موقع ليبراسيون الإلكتروني.
ودعت تجمعات عدة إلى تنظيم مظاهرة احتفالية في وسط المدينة، الأربعاء، في وقت مبكر من بعد الظهر، "لإظهار أنه يمكننا تنظيم احتفال شعبي باسم الرياضة، دون استغلال أو قمع أو تدمير".
وستبقى الشعلة في مرسيليا حتى الخميس، حيث ستبدأ رحلة مدتها 69 يوماً عبر فرنسا، بما في ذلك البرّ الرئيسي لفرنسا وخارجها. ومن المقرّر الوصول إلى باريس في 26 تموز، يوم حفل الافتتاح، لإضاءة المرجل الأولمبي.