النهار

رياضة الكريكت في لبنان... ولكن بطريقة استثنائية
المصدر: "أ ف ب"
رياضة الكريكت في لبنان... ولكن بطريقة استثنائية
رياضة الكريكيت في لبنان. (أ ف ب)
A+   A-
في موقف فسيح للسيارات في بيروت، يشجّع عمال مهاجرون بحماس فرقاً تتنافس في دوري رياضة الكريكت، إحدى الفرص القليلة التي توفر لهم ترفيهاً وراحة من ظروف العمل المرهقة في بلاد تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية.

وتقول السريلانكية براديبا سيلفا (42 عاماً) التي تعمل ستة أيام في الأسبوع لتوفير قسط جامعة ابنتها في بلدها "العمل متعب للغاية"، ويسبّب الكثير من القلق والتوتر.

لكن "في أيام الآحاد، نشعر بالسعادة.. نأكل معاً ونضحك سوياً"، كما تروي بينما تقوم وزميلاتها بإعداد الأرز مع جوز الهند وسواه من الأطباق التقليدية داخل شقة مجاورة للموقف.

كل أحد، يجتمع عمال مهاجرون، غالبيتهم من سري لانكا، إضافة الى دول أخرى بينها الفيليبين والهند وباكستان، في موقف للسيارات في أحد أحياء منطقة الأشرفية في شرق بيروت، لممارسة الكريكت، وهي رياضة غير معروفة على نطاق واسع في لبنان، حيث تتصدر كرة السلة وكرة القدم الاهتمام.

تجمّع المئات في نهاية الأسبوع الماضي لمزاولة اللعبة، وكذلك الاستمتاع بأطباق تقليدية على وقع موسيقى متنوعة ومشاركة خاصة من فرق من السفارتين البريطانية والسريلانكية ومن اللاجئين السوريين الشباب.

وشاركت العاملة في الخدمة المنزلية الفليبينية إيريس ساغاريو (43 عاماً) في المنافسة ضمن فريق، مرتدية قميصاً باللونين الأزرق والبرتقالي، طبع اسمها على جهته الخلفية.

وتقول لفرانس برس "أحب الكريكت ويعتريني الحماس بشدة للعب كل أحد"، وهو يوم الإجازة الوحيد لها أسبوعياً.

ومع فوز فريقها بالمباراة وكأس السيدات، عانقت اللاعبات بعضهن مطولاً وتبادلن التحية فرحاً.

"دعم عائلتي"
يتواجد في لبنان أكثر من 160 ألفاً من العمال المهاجرين يتحدرون من 84 دولة، وفق تقرير نشرته المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي.

ورغم أن سفارات عدّة نصحت رعاياها بمغادرة لبنان في ظل القصف المتبادل عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل على وقع الحرب المستمرة في غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن ساغاريو فضّلت البقاء.

وتوضح "في البداية شعرت بالقلق"، لكن رب العمل طمأنها بأن "كل شيء على ما يرام".

وتضيف العاملة التي كانت في لبنان خلال الحرب المدمّرة بين حزب الله وإسرائيل صيف العام 2006، "قررت البقاء لأنني لا أعرف ماذا سأفعل إذا ما غادرت الى الفيليبين"، متابعة "أودّ تقديم الدعم المادي لعائلتي".

خلال المباريات، يتوقف مارة فضوليون لمتابعة ما يجري، ويسترقون النظر من أعلى جدار حجري يزنّر موقف السيارات.

ويشرح فرناندو سوغاث (52 عاماً)، المتحدر من سري لانكا وهو أحد منظمي الدوري، أن بعض اللاعبين يطلقون على هذا الموقف اسم "لوردز لبنان"، تيمناً بنادٍ شهير للكريكت في لندن، باعتباره "موطن لعبة الكريكت" في لبنان منذ أكثر من عقدين.

وتوقف تنظيم المباريات لخمس سنوات، وفق ما يشرح سوغاث، بعد تعذّر الحصول على إذن لاستخدام المكان. لكن اللاعبين عاودوا ممارسة رياضتهم المفضلة عام 2022، موضحاً أن فريقه بدّل اسمه الى "نادي القديس يوسف للكريكت"، كعربون امتنان لكنيسة القديس يوسف المجاورة التي ساعدتهم في الحصول على الإذن.

"مثل الإخوة"

ويرى سوغاث الذي جاء الى لبنان للمرة الأولى عام 1996 ويعمل حالياً كمساعد إداري، أن لاعبي الكريكت من العمال المهاجرين "محظوظون للغاية لأن لديهم أصحاب عمل جيدون يتيحون لهم أخذ إجازة يوم الأحد".

ويناشد أصحاب العمل الآخرين منح العمال "ساعة راحة واحدة على الأقل أو اثنتين في أيام الآحاد"، مضيفاً "دعوهم يتمتعون ببعض الحرية ويستخدمون هواتفهم للتحدّث الى عائلاتهم".

ويتعرض العمال الأجانب، والعديد منهم من العاملات في الخدمة المنزلية، لأشكال مختلفة من الاستغلال وسوء المعاملة بينها الإجبار على العمل لساعات طويلة والحرمان من الإجازات الأسبوعية ومن الأجور أحياناً، عدا عن الأذى الجسدي والنفسي. ولطالما انتقدت منظمات حقوقية نظام الكفالة المتبع في البلاد والذي يمنح أصحاب العمل "سيطرة شبه كاملة" على حياة العمال.

خلال المباريات، تعلو هتافات التشجيع بينما يجري لاعبون للإمساك بالكرة.

يقود الباكستاني ماجد ساتي (39 عاماً) فريق "الإخوة الأحد عشر" المؤلف من خمسة لاعبين من بلاده وستة من الهند. وحلّ فريقه في المرتبة الثانية في دوري الرجال.

ويوضح الرجل الذي وصل الى لبنان قبل 15 عاماً ويعمل حارس مبنى، أنه على رغم العلاقة المتوترة بين البلدين حيث للكريكيت شعبية واسعة، لكن "ليس لدينا أي مشكلة. نحن هنا مثل الإخوة".

ويؤكد نائب قائد الفريق راجو سينغ (41 عاماً)، الهندي الجنسية، أن اللاعبين "لا يفكرون أبداً" في السياسة.

وكان سينغ في عداد الحكام في المنافسة ومن بين المسؤولين عن رمي عملة معدنية قيمتها 500 ليرة لاختيار أي فريق يرمي الكرة أولاً أو يتلقاها.

وبعدما كانت قيمتها تعادل 35 سنتاً من الدولار حتى العام 2019، باتت الآن تساوي أقل من سنت واحد على وقع انهيار اقتصادي يعصف بلبنان منذ أكثر من أربع سنوات، ودفع أصحاب عمل كثر الى التخلي عن العاملين الأجانب، الذين غادر عدد منهم البلاد.

يجتاز سينغ نحو ثلاثين كيلومتراً لبلوغ موقف السيارات لممارسة هوايته.

ويقول: "عندما ننتهي ونعود إلى المنزل، ننتظر الأحد المقبل".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium