منذ سنوات المراهقة، بدا أن مستقبل الموهوب كيليان مبابي سيكون لامعاً. يجد ابن الخامسة والعشرين نفسه ضمن أبرز صفقات كرة القدم التاريخية، مع انتقاله من باريس سان جيرمان الفرنسي إلى ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا.
زاول "كيكي" اللعبة في مسقط رأسه بضاحية باريسية حتى سن الرابعة عشرة، وتوزّع وقته بين مقرّات التدريب ومدرسة في قرية قريبة.
بدأ بلفت انتباه الأندية الأوروبية الكبرى، إلا أن موناكو المعروف بضمّه للمواهب الشابة، تمكّن من إقناع عائلته في العام 2013 بأن الخطوة الأمثل لتنمية موهبته وصقلها، ستكون انضمامه إلى نادي الإمارة الجنوبية.
عانى مبابي في بداية مسيرته مع موناكو للتأقلم مع متطلّبات أسلوب الحياة الجديدة، إلا أنه تبدّل رأساً على عقب وغيّر تصرفاته إلى حد كبير، ودخل في السلك المنضبط لتنشئة لاعب كرة قدم محترفاً.
بقي درب مبابي إلى النجومية مرسوماً في موناكو، حيث لمعت موهبته القائمة على السرعة والسلاسة لمهاجم اعتاد اللعب على الجهة اليسرى، ما لفت أنظار مدرّب الفريق البرتغالي ليوناردو جارديم الذي أخذ بنصيحة مسؤولي النادي بترقيته إلى الفريق الأول.
خاض مباراته الأولى في الدوري الفرنسي ضد كاين وهو لم يزل في السادسة عشرة من العمر. بعدها بأسابيع، سجّل هدفه الأوّل الذي كانت مكافأته، توقيع أول عقد احترافي له مع النادي.
في صيف العام 2016، استُدعي للمرّة الأولى إلى منتخب فرنسا المشارك في كأس أوروبا لما دون 19 عاماً. هيمن المنتخب الأزرق على البطولة، وأحرز اللقب بفضل مساهمة كبرى من مبابي الذي سجّل خمسة أهداف في خمس مباريات.
عروض مغرية
بدأت العروض تنهال على موناكو للتخلّي عن مبابي، بينها واحد من مانشستر سيتي الإنكليزي الذي أذاقه المهاجم الشاب الأمرّين في دوري أبطال أوروبا.
في سن الثامنة عشرة فقط، تحوّل المهاجم الذي نشأ في ضاحية بوندي الباريسية حيث كان والده الكاميروني الأصل ويلفريد مديراً ومدرّباً لكرة القدم، إلى أحد أبرز الأسماء في عالم المستديرة.
أولى موناكو عناية كبرى للاهتمام بموهبته الفذّة، ومنذ كانون الثاني 2017، بات عنصراً دائم الحضور في تشكيلته، وكبر تأثيره بشكل تدريجي مع كل مباراة مع مساهماته الحاسمة بالأهداف والتمريرات.
في ختام الموسم، كان مبابي قد حطّم الأرقام القياسية لتييري هنري في بدايته مع الفريق الفرنسي، وسجّل 26 هدفاً في مختلف المسابقات، ليساهم في قيادته إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، والأهم إلى إحراز لقب الدوري الفرنسي للمرّة الأولى منذ عام 2000.
استُدعي إلى تشكيلة فرنسا للمرّة الأولى، وسط تزايد الترجيحات بأن ما حققه خلال هذه الفترة القصيرة، سيؤدّي حكماً إلى انتقاله لناد أكبر من موناكو.
وعلى رغم نصائح زملائه ولاعبين سابقين في المنتخب الفرنسي، وحتى رغبة أمير موناكو ألبير الثاني في بقائه، لم يقتنع مبابي بزيادة راتبه ستة أضعاف وآثر التحدّي والانتقال إلى باريس سان جيرمان المملوك قطرياً، قبل عام من موعد مرتقب مع كأس العالم 2018 في روسيا.
قيمته انتقاله إلى فريق الإمارة مقابل 180 مليون يورو كانت الثانية في تاريخ اللعبة، بعد قدوم البرازيلي نيمار إلى سان جيرمان (222 مليون يورو).
بطل العالم
أعلن مبابي عن نفسه على المسرح العالمي عام 2018 بهدفين أمام الأرجنتين في ثمن نهائي المونديال الروسي الذي توّج فيه بجائزة أفضل لاعب شاب.
في سن التاسعة عشرة، أصبح أصغر لاعب يسجّل في نهائي كأس العالم منذ البرازيلي بيليه في 1958 حين كان في السابعة عشرة من عمره، عندما فاز "الزرق" على كرواتيا 4-2 "بنيت موسمي حول هذه البطولة وأن أكون جاهزاً لها بدنياً ونفسياً".
فرض نفسه نجم سان جيرمان الأوّل واصبح أفضل هداف بتاريخه (256 في 308 مباريات)، رغم تواجد أمثال الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار، فأحرز لقب الدوري ست مرات، الكأس أربع مرات وهداف الدوري ست مرات، لكن دوري أبطال أوروبا بقي عقبة أمامه وكان أفضل ما حققه بلوغ النهائي في 2020، رغم تتويجه بـ15 لقباً مع نادي العاصمة.
كان على مقربة من إنجاز نادر باحراز لقب كأس العالم مرّة ثانية توالياً، بيد أن ميسي، زميله في سان جرمان حرمه ذلك في نهائي مونديال قطر 2022، فاكتفى بلقب الهداف برصيد مميّز بلغ ثمانية أهداف، رافعاً رصيده إلى 12 هدفاً في الحدث العالمي.
قال صاحب 46 هدفاً في 77 مباراة دولية إن المونديال هوسه: "أردت دوماً أن أكون الأوّل في كل مكان، مع منتخب فرنسا والنادي".
قبل انتقاله الفعلي إلى ريال، نجح سان جيرمان بابقائه العام الماضي في صفوفه، بمساعدة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكنه صدم إدارته القطرية عندما أعلن انه مصمّم على الرحيل مجاناً مع نهاية عقده الصيف الحالي. أثّر هذا الأمر على مشاركته في تشكيلة المدرب الإسباني لويس إنريكي، فغاب عن مباريات وجلس في أخرى على مقاعد البدلاء.
بمواجهة خصومه، يستبدل التواضع بجرأة تقنية ونوع من الغرور يناسب مكانته العالمية: "الناس لا تفهم الغرور. لن يحفّزك أحد أكثر من نفسك".
بإحاطة من والدته الجزائرية الجذور فايزة العماري، محترفة كرة اليد سابقاً، وفريق محاميه، يولي مبابي انتباهاً كبيراً لمقابلاته النادرة ومعظمها خارج فرنسا، ودخل في صراع مع الاتحاد الفرنسي للعبة حول المفاوضات على حقوق صورته.
يملك أسطولاً فاخراً من الشركات الراعية ويتابعه 114 مليون شخص على موقع "إنستغرام"، ولا شكّ أن قاعدته ستتسّع أكثر مع انتقاله إلى الفريق الملكي.