بين صواريخ البحر الأحمر، والغارات الأميركية البريطانية على العاصمة صنعاء، تجد ياسمين الريمي في مسدسها الهوائي ملاذاً ومساراً لرفع علم اليمن عالياً، إذ تستعدّ لمشاركتها الأولمبية الثانية في باريس رغم التحديات وشحّ الإمكانيات في بلد مزقته الحرب.
بدأت الريمي مشوارها في في منافسات المسدس الهوائي المضغوط 10 م للسيدات في العام 2010، لكنها تقول إن "تقريباً كانت آخر مشاركة في 2016 وبعدها توقفت بسبب الحرب".
كان ذلك بعد عامين من اندلاع النزاع في اليمن عام 2014 وسيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على مناطق شاسعة في البلاد بينها العاصمة صنعاء.
وفي العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعمًا للحكومة، ما فاقم النزاع الذي خلّف مئات آلاف القتلى وتسبّب بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
عادت الريمي لممارسة هذه الرياضة بعد نحو أربع سنوات، وتحديداً في العام 2020، فشاركت في بطولات عدّة، وحققت الميدالية الفضية في البطولة العربية في مصر في العام نفسه.
لكن الحرب فرضت مساراً صعباً على الرامية اليمنية التي تقول لوكالة فرانس برس إنها كانت تتدرّب في أسوأ الظروف.
سطح البيت حقل رماية
وتردف "لم يكن هناك كهرباء كي أرمي، ولم أكن أجد مكاناً أتدرّب فيه، حتى أنني مررت بفترة جعلت فيها من سطح بيتي بقعة رماية لأواصل التدريب".
داخل قاعة مغلقة بجدران زرقاء في نادي بلقيس الرياضي بالعاصمة صنعاء، تقف الريمي متّشحة بالسواد، تلبس نظارتي حماية، وتضع على أذنيها سماعتين، قبل تذخير مسدسها لبدء التدريبات.
ذلك أنه لا يوجد صالة خاصة بالرماية، وإنما زاوية أو مساحة صغيرة من قاعة مُنحت لياسمين لتنصب فيها أدواتها وتتدرّب بما وُجد.
بدأت الريمي تحضيراتها للمشاركة في أولمبياد باريس، عقب مشاركتها للمرة الأولى في ألعاب طوكيو التي أقيمت في العام 2021 بعدما تأجلت عاماً جراء تفشي جائحة كوفيد-19.
تقول لـ"فرانس برس": "لم أتوقف نهائياً عن التدرّب. كان يومياً وعلى فترتين صباحاً ومساءً"، كما شاركت في بطولات خارجية على غرار دورة الألعاب الآسيوية في الصين وبطولة العالم في إندونيسيا.
وتضيف: "أشعر بالفخر والاعتزاز كوني امرأة أمثل اليمن، وأيضاً كوني لاعبة يمنية في هذا الأولمبياد. حلم أي رياضي".
لكن الوصول لم يكن بالطريقة السهلة رغم مشاركتها ببطاقة دعوة، ذلك أن اليمن يشهد جبهة مستجدة منذ نحو سبعة أشهر.
ومنذ تشرين الثاني، يشنّ الحوثيون المدعومون من إيران، هجمات بالصواريخ والمسيّرات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يعتبرون أنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
وبين الفينة والأخرى، تتعرّض صنعاء، على غرار مدن يمنية أخرى، لغارات أميركية وبريطانية تقول لندن وواشنطن إنها تستهدف مواقع عسكرية أو منصات صواريخ معدة للإطلاق في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين.
لكن رغم ذلك، تقول مدرّبتها أمل مدهش التي لا تمتلك باعاً طويلاً في التدريب، إن "ياسمين أكثر تدريبها يعتمد على نفسها، هي رامية مجتهدة جداً رغم عدم توفر الإمكانيات، خصوصاً مدرب محترف".
وتضيف أن ذلك "زادها إصراراً وتحدياً لتصل إلى هدفها (...) وترفع علم اليمن عالياً".
لكن رغم ذلك، تحمل الريمي على الجهات المعنية في اليمن لعدم تقديم دعم مناسب لها.
تقول إنه إلى جانب عائلتها الداعم الأول، غالبية معسكراتها ورحلاتها كانت "بدعم شخصي مني وعلى حسابي الشخصي"، لكنها تشيد باهتمام اللجنة الأولمبية اليمنية بها.
وفي هذا السياق، يلفت محمد عبدالله الأهجري أمين عام اللجنة الأولمبية اليمنية إلى أن الدعم كان "بإمكانيات ذاتية. من اللجنة الأولمبية الدولية والمجلس الأولمبي الآسيوي".
ويضيف لـ"فرانس برس": "أقول للمسؤولين، سواء على مستوى الرياضة اليمنية أو على مستوى البلد بصفة عامة: يجب إعطاء الرياضة اليمنية حقها من الاهتمام حتى تتطور".