الإثنين - 16 أيلول 2024
close menu

إعلان

مصارعة الزيت في تركيا تقليد موروث من العصر العثماني

المصدر: "أ ف ب"
مصارعة الزيت. (أ ف ب)
مصارعة الزيت. (أ ف ب)
A+ A-
تحت أشعة الشمس الحارقة ووسط هتافات الجمهور، يدخل المصارعون المشاركون في بطولة "قيرق بينار" الميدان العشبي في شمال غرب تركيا، بأجسامهم اللامعة المدهونة بزيت الزيتون، مرتدين سراويل جلدية، ويصفع كل "بهلوان" فخذه عند ذكر اسمه.
 
وتشكّل هذه البطولة التي تقام سنوياً في شهر تموز في ولاية أدرنة استمراراً لتقليد مصارعة الزيت المعمول به منذ أيام الأسلاف العثمانيين.
 
وتتطلب هذه الرياضة التراثية تمتّع المحارب المشارك المسمى "البهلوان" ببنية جسدية قوية وضخمة، ولكن في الوقت نفسه برشاقة تتيح له منازلة الخصم، إذ أن فرك الأجسام بالزيت يجعل إمساك كل مصارع بالآخر أمراً بالغ الصعوبة.
 
ودرجت أدرنة التي كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية قبل فتح القسطنطينية، على تنظيم هذه البطولة المرموقة منذ عام 1357، وهي مدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي.
 
وقال مراد كالندر (27 عاماً) قبل خوضه هذه البطولة للسنة السادسة توالياً: "إنها ألعابنا الأولمبية، إنه ملعب أجدادنا".
 
وأضاف المصارع ذو الجسم القوي والعضلات المفتولة والناتئة على بطنه وذراعيه فيما ينفذ تمارين الإحماء في ظل شاحنته: "لقد قاتل أسلافنا هنا، والحفاظ على تراثهم لا يمكن أن يتم من دون تضحيات".
 
وأول الصعوبات التي يواجهها البهلوان هي ارتداء السروال المصنوع من جلد الجاموس، ويزن عشرة كيلوغرامات، ولا يُرتدى تحته أي لباس آخر، ما يجعل التحرك به مرهقاً.
 
ويُربَط هذا السروال المزيّت بحبل من دون سحّاب. وقال مليح أوزتورك البالغ 18 عاماً فيما يشدّ رباط بنطاله إن: "الحزام يوفّر للمصارع فرصة الإمساك بخصمه".
 
مصارعة مرهقة جداً
ولا يبقى لكل "بهلوان"، بما أن جسم المصارع الآخر مغطى بالزيت اللزج الذي تنزلق عليه اليدان، ولا ثياب عليه يمكن الإمساك بها، سوى التعويل على قوته الجسدية ووزنه للتغلب على خصمه، فيضع كل منهما جبينه على جبين الآخر ويده على رأسه ليحاول دفعه، ثم يستهدف رقبته لإجباره على الانحناء فيتسنى له أن يُسقطه على ظهره ويثبتَّه على العشب.
 
ويتولى مراقبة كل متباريَين حكم يرتدي شروالاً أزرق وذهبياً، يضم في حزامه مجموعة من الأقمشة البيضاء الصغيرة يعطيها للمتنافسين إذا طلبوا.
 
كذلك يمكن لكل مشارك أن يطلب زيتاً إضافياً، وهو عنصر أساسي ومن طقوس المواجهة.
 
وهذا النوع من المصارعة مرهق جداً، إذ أن الزيت يلسع العينين، بينما يَحمَرُّ الجلد بفعل محاولة كل من المتباريَين الإمساك بالآخر.
 
ورأى هاكان أورهان، أحد الحكام الـ120 الذين استُعين بهم في البطولة، وهو مصارع سابق أراد البقاء في جو هذه الرياضة ويدرب ابنه عليها، أن "النزال الجميل هو ذاك الذي يحاول فيه الخصمان القتال إلى أقصى حد. إنه مؤثر".
 
وأوضح أنه يتدخل: "عندما تكون وضعية المصارعَين مخالفة للأنظمة، أو عندما يتحولان عنيفين وغير قابلين للسيطرة" إذا يئسا وقطعا الأمل في حسم المنازلة. وأقرّ بأن حالات كهذه نادرة، لأن "الاحترام المتبادل" له الأسبقية.
 
ومن المفترض بالفائز أيضاً أن يهنئ خصمه الفائز، وتقبيل يده إذا كان أكبر سناً، احتراماً له.
 
وعلى رأس فئات المصارعين البالغ عددها أربع عشرة، فئة المحاربين ذوي المستوى المتقدّم الذي يعتاشون من هذه الرياضة، ويتدربون جدياً طوال العام للتنافس في أدرنة.
 
فـ"الجميع يريد أن يكون بطلاً هنا، وهو ما يجتمع عليه جميع المصارعين"، على ما قال حمزة أوزكارادينيز الذي أمضى عشرين من أعوام عمره الاثنين والثلاثين يشارك في البطولات.
 
الحزام الذهبي
وقال حمزة أوزكارادينيز: "إنها المرة الأولى أشارك في هذه البطولة، لكننا جميعاً نحلم بالحزام الذهبي"، وهو المكافأة الكبرى لبطولة "قيرق بينار"، إذ يزن كيلوغراماً ونصف كيلوغرام من المعدن الأصفر، ويحصل البطل معه أيضاً على مكافأة مالية قدرها 550 ألف ليرة تركية (نحو 17 ألف دولار) أي ما يفوق الحد الأدنى للأجور بأكثر من 30 ضعفاً.
 
وحصل على اللقب هذه السنة، للمرة الثانية توالياً، "البهلوان" يوسف جان زيبيك، الذي فاز في 52 دقيقة.
 
وفي حال كرر إنجازه السنة المقبلة، تكون الثالثة ثابتة، إذ أن الفائز بالـ"قيرق بينار" ثلاث مرات متتالية يحتفظ بالحزام الذهبي مدى الحياة. وآخر مرة تمكن مصارع من تحقيق هذا الإنجاز كانت عام 1997.
 
واشار حمزة أوزكارادينيز إلى أن التوصل إلى ذلك "يتطلب جهداً كبيراً ومكثفاً جداً وطويلاً جداً"، معرباً عن أسفه لاعتماد التصفيات التأهيلية هذه السنة بهدف الحد من عدد المتنافسين. وقال "سأخوض نزالي السادس في غضون يومين، أي على الأقل ثلاثة نزالات أكثر من خصومي".
 
وأضاف: "الأمر على هذا النحو. البهلوان لا يشكو".
 
لكنّ الخاسرين يشعرون بخيبة كبيرة، وغالباً ما يغادرون أرض البطولة وعيونهم مغرورقة بالدموع. ويشعر بألم كبير مصارع الزيت الذي يعود خاوي الوفاض إلى البيت.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم