أعلن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الماركيز خوان أنتونيو سامارانش اختتام دورة سيدني في الأول من تشرين الأول عام 2000، بعد منافسات ثبّت تفوّقها على الصعد كافة، بعبارته الشهيرة: "أعلن نهاية الألعاب الأولمبية في سيدني، الأفضل في التاريخ".
ووسط غمرة الفرح في الصفحة الأخيرة من ألعاب سيدني التي جاءت بمثابة "نفحة إنعاش"، تساءل محبو الرياضة "هل بدأ عصر جديد للألعاب الاولمبية؟"
وهؤلاء انتظروا الموعد الجديد في القارة البعيدة بلهفة من ينتظر النسيم العليل أيام القيظ، وبعدما غادر كثر منهم أتلانتا 1996 محبطين ومنزعجين بسبب فظاظة المنظّمين والفشل التكنولوجي وفوضى المواصلات.
احتضنت أوستراليا الألعاب للمرة الثانية في أقل من نصف قرن، وكانت الأولى في ملبورن عام 1956، لكن شتان بين المناسبتين، فمن تأجج الصراع بين الشرق والغرب ونشوء حركات التحرّر والمحاور والكتل والاعتداءات والاجتياحات، إلى بزوغ العولمة الكبيرة، إذ جمعت الدورة الأخيرة 10651 مشاركاً.
وبقيت الولايات المتحدة القوة العظمى وبلغ رصيدها 37 ذهبية، تلتها روسيا (32)، ثم الصين (28).
وأبرز الذين اكتُشف تورطهم بالمنشطات، بطل العالم في رمي الكرة الحديد الأميركي سي جاي هانتر زوج العداءة الشهيرة ماريون جونز، ولاعبة الجمباز الرومانية أندريا رادوكان. وإذا كان هانتر لم يشارك في المسابقة، فإن رادوكان جُرّدت من ذهبيتها في مسابقة الفردي العام، ومنحت لمواطنتها سيمونا امانار.
وتوجت جونز نجمة سيدني 2000 على رغم فشلها في تحقيق حلمها في إحراز خمس ذهبيات، فنالت ثلاثاً من المعدن الأصفر في سباقات 100 و200 م والتتابع 4 مرات 400 م وبرونزيتين في التتابع 4 مرات 100 م والوثب الطويل، المسابقة التي استعادت لقبها الألمانية هايكه دريشلر بطلة 1992 وثانية 1988. لكن جونز جُردت من ميدالياتها عام 2007 بعد اعترافها بتناول مواد منشطة.
جونسون يكمل مجموعته الأولمبية
ودخل أميركي آخر على خط النجومية هو مايكل جونسون، إذ بات أول عداء يحتفظ بلقبه في سباق 400 م، ثم أكمل مجموعته الأولمبية بذهبية التتابع 4 مرات 400 م، رافعاً رصيده إلى خمس ذهبيات منذ دورة برشلونة 1992.
وفرض مواطنه موريس غرين بطل العالم وحامل الرقم القياسي في 100 م (9.79 ث) نفسه أسرع عداء في العالم وانتزع ذهبية السباق (9.87 ث)، وأضاف إليها أخرى في التتابع 4 مرات 100 م.
ومع "هروب" الفرنسية ماري جوزيه بيريك وتواريها وسط غموض كبير لتصرفها المباغت، إذ زعمت أن حياتها في خطر، خلت الساحة للأوسترالية فريمان لتفوز في سباق 400 م معززة رقمها الشخصي (49.48 ث)، وقامت بلفة شرفية لتحية 100 ألف متفرج وبيدها العلم الأوسترالي وعلم سكان أوستراليا الأصليين التي تنتمي إليهم، وأعلنت: "كنت أنتظر بفارغ الصبر اجتياز خط النهاية لأنهي أربع سنوات من الانتظار".
وحافظ الإثيوبي هايله جيبريسيلاسي على لقبه في سباق 10 آلاف م، وانتزع الفوز من الكيني بول تيرغات قبل مترين من خط النهاية في سباق مثير حُبست فيه الأنفاس طويلاً، محققاً إنجازاً سبقه إليه التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك (1948 و1952) والفنلندي لاسي فيرين (1972 و1976).
و"زامل" التشيكي يان زيليزني الأميركي كارل لويس في سجل الكبار، كونه احتفظ للمرة الثالثة بلقب رمي الرمح، وهو إنجاز سبقه إليه لويس في الوثب الطويل.
في المقابل، فشل حامل لقب سباق 1500 م الجزائري نور الدين مرسلي وخرج من الدور نصف النهائي، وأخفق بطل العالم المغربي هشام الكروج مرة جديدة واكتفى بالميدالية الفضية خلف الكيني نواه نغيني.
وعاد بخُفّي حُنين المصارع الروسي الشهير ألكسندر كارلين (وزن 130 كلغ) الذي تعرّض لخسارته الأولى منذ 1987، على يدي الأميركي المغمور رولون غاردنر (19 عاماً)، والسباح الروسي ألكسندر بوبوف الذي خسر سباقي 50 و100 م حرة.
وفي السباحة التي عرفت اللباس الثوري الجديد، تفوق الأميركيون على الأوستراليين، إذ حصدوا 33 ميدالية منها 14 ذهبية.
ولفت الأنظار "الطائر" الهولندي بيتر فان دن هوغنباند الذي أبطل مفعول "توربيدو" الأوسترالي ايان ثورب عندما تفوّق عليه في نهائي 200 م حرّة أمام 17 ألف متفرج، واكتفى الأخير بالميدالية الفضية بعد إحرازه ذهبية سباقي 400 م حرة والتتابع 4 مرات 100 م.
أما فان دن هوغنباند فأصبح أول من يكسر حاجز 48 ثانية في 100 م حرة (47.84 م) النهائية، وحصد لاحقاً الذهبية إضافة إلى برونزيتين في التتابع، وذهبية 50 م.
وحذت حذوه مواطنته اينغي دي بروين ففازت في سباقات 50 و100 م حرة و100 م فراشة "وكللت" انتصاراتها بثلاثة أرقام قياسية أيضاً.
وتميّزت الأميركية جيني تومسون التي أسهمت في فوز بلادها في ذهبية البدل 4 مرات 100 م متنوّعة، وحصدت ميداليتها الأولمبية التاسعة.
وقبضت أوستراليا مجدداً على لقب المسابقة الكاملة في الفروسية احدى أجمل المسابقات الأولمبية والمتضمنة الترويض وسباق العمق والقفز على الحواجز، وتوّجت للمرة الرابعة والثالثة على التوالي بعد أعوام 1960 و1992 و1996.
ذهبية خامسة لريدغريف
وفاز البريطاني ستيف ريدغريف (38 عاماً) بميداليته الذهبية الخامسة على التوالي في التجذيف، وحطم بالتالي الرقم القياسي في عدد الألقاب المتتالية الذي كان يحمله الأميركي آل أورتر بطل رمي القرص في أربع دورات (1956 إلى 1968).
ونقش الكوبي فيليكس سافون (33 عاماً) اسمه بأحرف برّاقة في السجلات الأولمبية، إذ بات ثالث ملاكم يحرز لقب الوزن الثقيل (فوق 91 كلغ) ثلاث مرات، وسبقه إلى هذا الإنجاز المجري لاسلو باب (1948 إلى 1956) والكوبي تيوفيلو ستيفنسون (1972 إلى 1980)، وكان بإمكان سافون أن ينفرد بالرقم القياسي لو لم تقاطع بلاده ألعاب سيول 1988.
وخرجت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ 1948 خالية الوفاض من الذهب الأولمبي في رياضة "الفن النبيل".
ونجحت بطلة الدراجات الهولندية ليونتان زيلارد التي اشتهرت باسم عائلتها قبل الزواج، فان مورسل، في تحقيق ثلاث ذهبيات في سباقي الفردي وضد الساعة على الطريق، وسباق 3 كلم على المضمار مع رقم قياسي عالمي (3:03.360 د)، فضلاً عن فضية سباق النقاط على المضمار.
والنجمة المتوجة هي عارضة أزياء، أنقذت نفسها من مرض الشراهة (البوليميا) بعد تحد استغرق ستة أعوام.
وكان اللافت أن الألماني يان أولريش وفى بالوعد الذي قطعه على نفسه بنيله ذهبية سباق الطريق وفضية ضد الساعة، وثأر من الأميركي لانس أرمسترونغ الفائز عليه في دورة فرنسا الدولية، والذي حل في المركز الثالث عشر في سباق الطريق، واكتفى بالبرونزية في سباق الساعة، قبل أن يُجرّد منها في وقت طويل لاعترافه بتعاطي المنشطات.
وانتهت الألعاب بحفل ضخم راقص بدأ بموسيقى يونانية وكأنها تمهيد للألعاب الأولمبية المقبلة في أثينا، ثم عُزفت موسيقى الألفية الجديدة حول المنصة الرئيسة ووُزعت آخر الميداليات للماراثون لثلاثة أفارقة يتقدّمهم الإثيوبي الفائز جيزاغني أبيرا.
ووجد كل متفرّج على مقعده مغلفاً يحوي تذكارات عدة لتبرير ارتفاع ثمن البطاقات، وأغلاها بلغ نحو 800 دولار، في حين عرضت أربع شاشات عملاقة أفضل لحظات الأولمبياد.