يختصر البريطاني ستيفن ريدغريف التجديف بأنها لعبة الجهد والكد والعرق. لكنها منحته خمسة ألقاب متتالية في خمس مشاركات أولمبية آخرها في دورة سيدني عام 2000 وكان في الثامنة والثلاثين من عمره، فحطم الرقم القياسي في عدد الألقاب المتتالية الذي كان يحمله الأميركي آل اورتر بطل رمي القرص في أربع دورات (1956 الى 1968).
استحق أن تكرمه الملكة اليزابيت الثانية بمنحه لقب "سير" عام 2001.
ريدغريف الذي اتقن لعبة عسيرة بريطانية الجذور والمنشأ، وجد فيها ضالته وملاذه وخلاصه من الانطوائية وتعويضاً عن تأخره المدرسي. وكما أدار ظهره لمقاعد الدراسة تآلف مع إدارة ظهره لخط النهاية في السباقات لكنه كان يجتازها فائزاً. والمتعارف عليه أن ظهور المجدفين تكون لجهة خط النهاية خلال التنافس.
اعتاد ريدغريف (مواليد مارلو في 23 آذار 1962) الايقاع المتكرر، "ماكينة" تعيد الحركة أحياناً أكثر من 200 مرّة، 4 ساعات تدريب يومياً، 6 أيام أسبوعياً، 10 أشهر سنوياً، تحت الشمس أو المطر، وحتى في الليل للاعتياد على فارق التوقيت في منافسات خارجية. والنتيجة "كتل عضلات" صقلت بنية صلبة تطورت من 1.90 م و90 كلغ حين كان في الثامنة عشرة إلى 1.93 م و103 كلغ، وبلغت سعة صدره 7 ليترات هواء، علماً أنه لم يعرف الشهرة إلا حين زاول رياضته ضمن فريق.
قطف ريدغريف ذهبيته الخامسة في "سيدني 2000" وكانت ضمن فئة الرباعي، أو "رباعي ريدغريف" كما تناقلت وسائل الإعلام خبر فوزه وتتويج هيمنته 16 سنة على القمة، بفضل صبره اللامتناهي وعزيمته المتقدة.
في بداية مسيرته، تأثر ستيفن بفرانسيس سميث "فمن دون هذا المعلم الشغوف بالتجديف لما كنت تسجلت في نادي بلدتي".
لفت ريدغريف الانظار بقامته الممشوقة وهو في سن الخامسة عشرة على رغم نتائجه العادية، وسرعان ما تطوّر أسلوبه ورُشّح للانضمام إلى منتخب بلاده المشارك في دورة موسكو الأولمبية عام 1980.
وبسبب المقاطعة "الشرقية" لدورة لوس أنجلس عام 1984، قيل أن الانتصار دان لريدغريف صدفة. يومها فاز بأولى ذهبياته الأولمبية في الرباعي، وبالفريق الثنائي مع اندرو هولمز في سيول 1988 وكذلك مع ماثيو بنسنت (بطل العالم للناشئين) في برشلونة 1992 وأتلانتا 1996، علماً ان هذا الثنائي لم يُهزم مطلقاً في السباقات التي خاضها بين 1991 و1996، بفضل الانسجام والكيمياء المشتركة.
تعرف ريدغريف على تقنيات خاصة على يدي المدرب الألماني يورغن غروبلر. وعام 1986، نصحه المدرب مايك سبراكلن بالتعاون مع هولمز في منافسات الثنائي ضمن بطولة العالم، فحققا نجاحاً فائقاً خصوصاً التغلّب على الاخوين الإيطاليين أبانيالي.
ريدغريف المجدف الأكثر تتويجاً في التاريخ الأولمبي وحامل تسعة القاب في بطولات العالم (خمسة في الثنائي وأربعة في الرباعي)، قرّر الاعتزال بعد الفوز في أتلانتا، لكنه لم يستطع الابتعاد عن "محبوبته" أكثر من تسعة اشهر، فعاد سريعاً "لأن أوستراليا بلد جميل وستكون بالتأكيد ألعاباً جميلة".
فقد أراد ريدغريف استثمار شهرته وإنجازاته ليؤمن مستقبلاً هانئاً بعد اعتزاله لزوجته آن طبيبة الفريق البريطاني في دورة لوس أنجلس (تزوّجا عام 1988) وابنتيه ناتالي وصوفي. فباشر التحضير مجدداً تحت إشراف المدرب غروبلر، علماً أنه أصيب بداء السكري عام 1997 وأصبح يتلقى يومياً وخزات انسولين، وكان زملاؤه تيم فوستر وجيمس كراكويل واد كوود يمازحونه ويراهنون في ما بينهم على تقدير نسبة السكر في دمه.
وقبيل دورة سيدني أبعدت إصابة مفاجئة ريدغريف مدّة اسبوعين، كما اغمي عليه أثناء التدريب على جهاز الايرغومتر (جهاز للتجديف الافتراضي يساعد في ضبط إيقاع الضربات). لكنه كان على الموعد فحقق فوزاً أولمبياً جميلاً وقلّدته الأميرة آن ذهبيته الخامسة.