أحمد ماجد
يكاد لا يخلو يوم منذ انطلاق دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس من الأشياء التي تحمل إثارة للجدل وتصبح حديث العالم أجمع، انطلاقاً من صافرة النهاية لمباراة المغرب والأرجنتين في الجولة الأولى لمنافسات كرة القدم، وصولاً إلى الملاكمة الجزائرية إيمان خليف والتايوانية يو تينغ لين والخلاف القائم حول هويتهما الجنسية وارتفاع منسوب هرمون "التستوستيرون" لدى الملاكمتين.
يعرف "التستوستيرون" بأنه هرمون الذكورة الرئيسي لدى الرجل، لكن المرأة أيضاً تفرزه، وهو يلعب دوراً مهماً في كتلة العضلات وتوزيع الدهون وإنتاج خلايا الدم الحمراء.
و"التستوستيرون" نوع من الأندروجين ينتج أساساً من الخصيتين في خلايا تسمى "خلايا ليديغ" (Leydig cells)، أما لدى المرأة فينتجه المبيضان، ولكن بكمية أقل.
وبعد هذا التعريف الطبي الكامل، نقف أمام سؤال واضح: هل حقاً الجزائرية والتايوانية رجلان أو متحوّلان جنسياً ويتنافسان في منافسات السيدات، أم أنها شائعة وتهمة لغاية في نفس يعقوب؟
46 ثانية أنجيلا كاريني تبكي، تتهم... وتعتذر
بعد فوز إيمان خليف على أنجيلا كاريني في دور الـ16 لمنافسات الملاكمة لوزن 66 كلغ، خرجت الإيطالية باكية وتكيل الاتهامات بحق منافستها الجزائرية رافضة مصافحتها حتى، وربما أخطر ما في ذلك كان تصريحها للصحافة الإيطالية، قائلة: "لن أحكم (عليها) أو أتخذ قراراً، فإذا كانت هذه المرأة هنا فهو لسبب ما".
لتعود بعدها وتعتذر عن عدم تهنئتها لمنافستها، فقالت لصحيفة "لا غازيتا ديلو سبورت" الإيطالية: "جعلني كل هذا الجدل حزينة، وأنا آسفة لمنافستي أيضاً. الأمر ليس له علاقة بها. لقد كانت هنا مثلي لتنافس".
وأردفت: "كنت غاضبة لأن مشاركتي في الأولمبياد انتهت ولكن ليس لدي شيء ضد إيمان خليف. على العكس، إذا رأيتها مرة أخرى فسأعانقها".
ردود الأفعال لا تتوقف
مع أن تركيزه الأكبر يجب أن يكون منصباً على كيفية عودته إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجد وقتاً لمهاجمة خليف وتينغ لين مصرحاً: "يجب منع الرجال من المشاركة في مسابقات السيدات"، وهذا ما أضافته أيضاً رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني: "نزالاً لم يكن عادلاً".
أما من يفترض أنها رياضية وتعي تماماً ما يعني هذا، لاعبة كرة المضرب السابقة مارتينا نافراتيلوفا وصفت إيمان خليف بأنها "رجل بيولوجي".
على النقيض تماماً، أدانت الأولمبية الجزائرية الكلام المسيء بحق لاعبتها التي ضمنت أول ميدالية جزائرية في باريس، حتى وصل الأمر إلى قيام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتهنئتها وكتب على منصة "إكس": "لقد شرّفتِ الجزائر والمرأة الجزائرية والملاكمة الجزائرية.. سنقف إلى جانبك مهما كانت نتائجك... بالتوفيق وإلى الأمام".
أما رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ، فدافع عن الملاكمتين قائلاً: "أي شخص يشكك في الملاكمتين يجب أن يأتي بتعريف جديد قائم على أساس علمي لمن هي المرأة وكيف لا يمكن اعتبار ملاكِمة ولدت وترعرعت وتُنافس وتحمل جواز سفر كامرأة، على أنها امرأة".
الدفاع عن "الحريات" و"التستوستيرون"
إذاً، هرمون "التستوستيرون" موجود لدى الذكور والإناث، وعليه مثلاً لا نستطيع أن نعترض على ارتفاعه عند الأسطورتين يوسين بولت أو مايكل فيلبس، فهما أيضاً يشاركان في المنافسات مع إضافات بيولوجية طبيعية، والموضوع ليس حكراً عليهما، إذ نرى دائماً بعض الرياضيين بأجسام قوية تعطيهما أفضلية على الآخرين.
أما عن الدول التي تقدم نفسها نموذجاً للحريات حول العالم، وتدافع بكل ما أعطيت من قوة عن مجتمع الميم ويكاد لا يخلو حدث حول العالم منها، فما أعطيت لهم الفرصة على تقديم أنفسهم بأنهم طبيعيون ووجودهم مرحب فيه أينما حلّوا، وآخرها كان في حفل افتتاح أولمبياد باريس، فهي التي يجب أن تجيبنا عن التساؤلات. إما أن تكون هذه الدول تستغل وجود هذه الفئة لمصالحها، أو يجب تقبلهم في كل المجالات، رياضية كانت أم غيرها. فعلاً محضر الجن لا يرى مصيبته، إلا عندما تمسه.