النهار

بعد الألعاب الأولمبية "باريس 2024"... الثورة في الإدارة الرياضية باتت ضرورة!
نمر جبر
المصدر: "النهار"
بعد الألعاب الأولمبية "باريس 2024"... الثورة في الإدارة الرياضية باتت ضرورة!
مشاركة لبنان في أولمبياد باريس.
A+   A-
خطفت دموع بطلة التايكواندو ليتيسيا عون في ختام المشاركة اللبنانية في منافسات الألعاب الأولمبية "باريس 2024" الأنظار، قبل أن تحبس الأنفاس في مواجهتها الأخيرة بحلولها في المركز الخامس لفئة الإناث، ضمن وزن دون الـ57 كيلوغراماً، بعد أن قدّمت أداءً رائعاً في الدور الـ16 ودور ربع النهائي، قبل أن تخسر بصعوبة في دور نصف النهائي، وفي المواجهة الحاسمة على الميدالية البرونزية، علماً بأن ليتيسيا خاضت مواجهتها الأخيرة وهي مصابة وتعاني وجعاً وورماً في قدمها!

ومع اختتام الحضور اللبناني في أكبر حدث رياضي، تمثّل بألعاب التايكواندو، كرة المضرب، الرماية، السباحة، المبارزة، كرة الطاولة والجودو، لا بدّ لنا من فتح ملف المشاركة في "باريس 2024" بشكل خاص، والرياضة بشكل عام، خصوصاً أن ما حصل في القرية الأولمبية لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله. وليس سراً أن بعض هذه الأخطاء -حتى لا نقول "الفضائح"- خرجت إلى العلن، ونشرتها وسائل إعلام محلية، وسط تجاهل تامّ وصمت مطبق من اللجنة التنفيذية للّجنة الأولمبية اللبنانية والقيّمين عليها.

القصة بدأت من الانقسام الحاصل في اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية اللبنانية والموقف الجائر والمتحيّز لوزير الشباب والرياضة جورج كلاس بالامتناع عن إصدار إفادة إدارية للجنةٍ معترفٍ بشرعيتها من الجمعية العمومية ومن اللجنة الأولمبية الدولية، فساوى بين الشرعي وغير الشرعي، ممّا أدّى إلى تفاقم الأزمة وحجز الأموال في الخزنة وحجب المساعدات عن الرياضيين المتأهّلين إلى الألعاب، وحرمانهم من حقوقهم المالية، التي تخوّلهم التحضير الجيّد، وصولاً إلى الذهاب إلى باريس من دون أي دعم أو مساعدة.
 

وما زاد "الطين بلة" هو التسجيل الصوتيّ للأمين العام للّجنة التنفيذية للّجنة الأولمبية اللبنانية ورئيس اتحاد الشطرنج جودت شاكر، الذي قال فيه "نحنا عم ناكل على حسابنا، ما في مصاري بالبعثة، لا آخدين سلفة ولا آخدين مبلغ، كل واحد عم ياكل على حسابو".

المفارقة أن البعض كان تحدّث عن رصد مبلغ 30 ألف دولار للبعثة اللبنانية إلى باريس، وسأل: "أين صرف المبلغ؟ لماذا لم يوزّع على اللاعبين؟". واستغرب البعض الآخر عدم مبادرة رئيس اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية اللبنانية بيار الجلخ إلى صرف مساعدات مالية للاعبين من جيبه الخاص، وتسجيلها كدين على اللجنة الأولمبية، ثم تحصيلها لاحقاً بدل ترك اللاعبين من دون أي مساعدة!
 
والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في ظل هذه الفوضى: لماذا اتهم رئيس اتحاد لعبة منتشرة رئيس اللجنة الأولمبية "بالفساد والتخاذل"، خصوصاً أن صورة لبنان الرياضية كانت على المحكّ في باريس؟! وأضاف في حديث أدلى به خلال الألعاب: "ألا تخجلون من الطلب إلى الرياضيين تحقيق نتائج في ظل هذا الواقع المذري؟!".

بعدها، يأتي مشهد زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى البعثة في مقرّ إقامتها، حيث لم يُرفع العلم اللبناني، وفق ما جرت العادة، من دون معرفة الأسباب، والتقاطه الصور مع رئيس اللجنة ورئيس البعثة، اللذين وصلا متأخرين، في مشهد يناقض موقف وزير الشباب والرياضة في حكومته الذي لا يعترف بشرعية اللجنة المعترف بها رسميّاً من اللجنة التنفيذية للّجنة الأولمبية الدولية! لا بل إن مواقفه وقراراته شكّلت سبباً رئيسيّاً للتخبّط والانقسام الحاصلين في اللجنة، في مشهد لا يحصل إلا في بلد "العجائب والغرائب"!

مقابل كلّ ذلك، أكّد عضو في البعثة اللبنانية إلى العاصمة الفرنسية باريس أن أيّ اجتماع لأفراد البعثة لم يعقد قبل انطلاق الألعاب كما كان يحصل عادة، لا مع رئيس اللجنة الجلخ، ولا مع رئيس البعثة، رئيس اتحاد الجودو، فرنسوا سعاده، لإطلاع أفرادها من اللاعبين والمدرّبين والإداريين على تفاصيل وقوانين وإجراءاتٍ، من الواجب أن يكونوا على اطّلاع عليها، وأن يتقيّدوا ويلتزموا بها!
 
كذلك، شكا رياضيّون ومدرّبون وإداريّون من عدم حصولهم على الألبسة الرسمية في الوقت المحدّد، لا سيما بعض المدربين الذين لم يحصلوا على كلّ الألبسة المخصصة لهم! وكشف أحد أفراد البعثة عن أن "كراتين التياب رجعت مليانة على بيروت"، حتى أن البعض شكا من غياب أيّ تواصل بين إداريي البعثة طوال فترة الإقامة في باريس، ومن أن المسؤولين ما كانوا يصلون إلى مباريات الرياضيين اللبنانيين إلا في وقت متأخر، في أغلب الأحيان!

قد يسأل البعض مَن ربح ومَن خسر من هذه المشاركة؟ لا شكّ في أن الخاسر الأكبر هي الرياضة اللبنانية التي لا تزال تدفع ثمن عدم وجود تخطيط جيّد وإداريين من أهل الكفاءة لإدارة الرياضة اللبنانية الغارقة في منظومة فساد ومحاصصة وتقاسم غنائم ومحسوبيات وتضارب مصالح واستزلام وخيانة وطعن، فضلاً عن غير ذلك من الأمور، التي لا يمكن أن تزول إلا بتغيير جذريّ وشامل.

نعم، إنّهم يضحكون على الشعب اللبناني منذ سنوات طويلة، وتحديداً على المجتمع الرياضي بشكل خاص. لم يعد جائزاً بقاء أشخاص في مناصبهم لم يحققوا أي إنجاز منذ 20 سنة. لم يعد مقبولاً توارث مناصب رياضية كأنّها إرث عائلي أو ملك خاص! لم يعد مسموحاً بقاء أشخاص على رأس اتحادات لم تنظّم بطولاتها منذ أكثر من 6 سنوات، وأن تكون فاعلة في الجمعية العمومية للجنة الأولمبية اللبنانية. ولا يمكن للجنة الأولمبية أن تبقى محاصصة للأحزاب؛ فالرياضة ليست إنجازات على الورق أو خلف المكتب بل على أرض الملعب. هي تحضير جيّد للرياضيين، هي برامج عصرية متطورة، هي شفافية وعدم محسوبية، هي الرجل المناسب في المكان المناسب.

المشكلة الحقيقية للرياضة اللبنانية تتمثل بغياب الثقافة وضعف الإدارة. للأسف، لم تخلق الأندية والاتحادات الرياضية، ولا اللجنة الأولمبية، ولا وزارة الشباب والرياضة، على مر العقود كوادر رياضية إدارية. وفي حال توفرت هذه الكوادر على ندرتها تتعرّض للمحاربة والإبعاد من قبل المنظومة الفاسدة المترسّخة والمنغمسة في الجسم الرياضي الضعيف ومن المستفدين والمنتفعين. فالمفارقة والمقارنة بين نهجين وأسلوبين واضحة وسهلة: رئيس لجنة يستفيد من منصبه، يصطحب معه نجله، ويصدر له بطاقة تخوّله الدخول إلى كل فعاليات الألعاب مستغلاً نفوذه، وحارماً إداريين في اللجنة حضورَ الألعاب، تحت ذريعة عدم قدرتنا على إصدار بطاقة؛ ورئيس اتحاد نجله يدفع ثمن البطاقة عندما يريد أن يحضر مباراة!
 
نعم، رياضتنا قادرة على تحقيق النتائج، وقد اكدت كرة المضرب حضورها القوي في "باريس 2024" وهي تسلك السكة الصحيحة منذ تولى رئيس الاتحاد اولبڤر فيصل مسوؤلية اللعبة وقادها للكثير من الانتصارات والإنجازات وفاجأ الثنائي اللبناني بنجامين حسن وهادي حبيب بمستواهم المتطور مقارنة بمستوى التنس العربي والأفريقي، وقد برهنا ذلك من خلال المواجهة القوية لحبيب امام كارلوس الكاراز الذي هنأه على أداءه الجيد مستواه المتقدم، في حين قدم حسن مباراة قوية امام اسقط خلالها الاميركي يو بانكس المصنف 26 في العالم، قبل ان يسقط بمجموعة حاسمة امام الأرجنتيني سباستيان بايز. علما ان الثنائي الاسترالي الذي فاز بصعوبة على الثنائي اللبناني احرز ذهبية المسابقة. وبرهنت البطلة ليتيسيا عون ان الرياضي اللبناني لو توفرت له، بدءاً من ناديه، مروراً بالمنتخب الوطني والاتحاد وصولا إلى اللجة الاولمبية، برامج إعداد عصرية ومتطورة، ووضعت بتصرفه امكانات وقدرات وفق آليات محددة قادر على تحقيق نتائج جيدة في كل المشاركات الخارجية ولما لا في الألعاب الأولمبية، وخير دليل البطلة عون التي كانت قاب قوسين او ادنى من احراز ميدالية لولا سوء قرارات حكم مباراتها مع الكندية سكايلار بارك خصوصا قرار اعطاء الفوز في الجولة الاولى لبارك بعد انتهائها بالتعادل السلبي 0 - 0
ما توفر لليتيسيا في ناديها مون لاسال ثم في الاتحاد ممكن ان يتوفر في اي نادي او اي اتحاد في حال وجدت الإرادة والرغبة، فاتحاد التايكواندو ورئيسه الدكتور حبيب ظريفة لم يبخلا بشئ من اجل ان تتحضر ليتيسيا في شكل جيد ولائق.
ودموع البطلة ليتيسيا عون، التي أبكت كل اللبنانيين، يجب ان تكون حافزا للمجتمع الرياضي للإعلان عن ثورة تغيير ادارية شاملة تبدا في الاندية، وتمر على الاتحادات وتنتهي في اللجنة التنفيذية للجنة الاولمبية. 
نعم، بكت الرياضة اللبنانية مع بكاء ليتيسيا، بكت على حالها المذري، وعلى واقعها التعيس، وعلى حاجتها الملحة والضرورية إلى "نفضة" ادارية واسعة وشاملة تتمثل بإدخال دم جديد وكوادر ادارية شابة قادرة على التأثير ايجاباً في الواقع الإداري الرياضي الذي اصبح هرماً ويعاني من تراجع وركود في الإنتاجية الايجابية خصوصا ان غالبية رؤساء الاتحادات يشغلون مناصبهم منذ اكثر من 16 سنة (4 ولايات) وقد استنفدوا كل طاقاتهم الجسدية والفكرية ولم يعودوا قادرين على التفاعل ميدانيا وخلق افكار ومشاريع عصرية، ووضع خطط تتماشى مع تطور الرياضة.
هذه الوقائع تستدعي تحركا سريعا من الجمعية العمومية للجنة الاولمبية اللبنانية لمساءلة رئيس اللجنة ورئيس البعثة واستيضاحهما عن كل الاتهامات ومصارحة الرأي العام اللبناني في شكل عام والرياضي في شكل خاص ووضع النقاط على الحروف. فهل تتمكن او تتجرأ الجمعية العمومية على القيام بواجبها ام تفرملها التدخلات من كل حدب وصوب؟
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium