النهار

وسائل التواصل الاجتماعي والأطفال... هل من جانبٍ مشرق؟
أحمد البغدادي
المصدر: "النهار"
وسائل التواصل الاجتماعي والأطفال... هل من جانبٍ مشرق؟
تعبيرية "سي أن أن"
A+   A-
في عصر التكنولوجيا، أصبحت حياتنا تعتمد بشكل كبير على الأجهزة الإلكترونية، وأصبحت معظم أوقاتنا تُستهلك بالضغط على أزرار الهواتف والحواسيب، بل لم نكتفِ بذلك، إذ أضحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياة أولادنا، وتحوّلت الأجهزة إلى ملاذ للأهل للتخلّص من صراخ أطفالهم وشغبهم.
 
 
وإذا ما تصفحنا محرّكات البحث حول هذا الموضوع، فسنرى العديد من المقالات التي تتحدّث عن المخاطر التي تسبّبها هذه الأجهزة للأولاد؛ فمن التوحّد، إلى العنف، إضافةً إلى التأثير على صحّة الطفل، تتحدّث أغلبية المقالات عن سلبيات استخدام الأجهزة الإلكترونية. لكن هل لهذا الأمر شقّ إيجابيّ؟ 
 
 
 
جيل ألفا والتكنولوجيا: 
 
بحسب موقع "هارفرد بزنس ريفيو"، جيل ألفا هو مصطلح يُطلق على جيل المواليد ما بين عامي 2010 و2025. فحياة هذا الجيل مختلفة عن سابقاتها، لأنهم ولدوا في زمن التطوّر الرقميّ ووفرة التكنولوجيا. يُعرف "جيل ألفا" بأنّه أوّل جيل رقميّ بنسبة 100 في المئة. 
 
في هذا الإطار، يُخبرنا يوسف، الطفل ابن الأحد عشر عاماً عن علاقته بالأجهزة الإلكترونية، فيقول إنّه بدأ في سنّ السادسة باستخدام جهاز "أيباد" للّعب ومشاهدة مقاطع الفيديو عبر تطبيق "يوتيوب". وبدأ شغفه بالتكنولوجيا عندما كان في عمر التاسعة، حين بدأت خوارزميات منصّات التواصل الاجتماعي من "تيك توك" إلى "يوتيوب" بعرض مقاطع فيديو تتعلّق بتقنيات العملات الرقميّة وبطرق تعديل الألعاب. 
 
 
 
وبسبب الحشرية المرافقة لعمر الطفولة، قرّر يوسف الغوص أكثر فأكثر في هذا العالم الواسع، ممّا أدى إلى تعرّضه لكمٍّ هائل من المحتوى، منه الضارّ ومنه النافع. فعلى سبيل المثال، أخبرنا عن مقاطع فيديو لتعلّم القرصنة الإلكترونية، وسرقة كلمات مرور الـ"واي-فاي" وسرقة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وأخرى لقرصنة ألعاب والحصول على مميّزات من داخلها. 
 
 
 
مع ذلك، استطاع يوسف تعلّم العديد من المهارات المفيدة المتعلّقة بالتكنولوجيا، وهو يواكب التقدّم التكنولوجي بشكلٍ دائم. 
 
 
على سبيل المثال، استطاع يوسف تعلم تقنية الـ"NFT"، وأصبح بإمكانه إنشاء مقاطع صوتيّة بوساطة برامج الذكاء الاصطناعي، وعرضها عبر الأسواق المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، اطّلع على مختلف العملات الرقمية المتوافرة وعلى المحافظ الرقمية، وتعلّم قراءة مخططاتها والمواقع المستخدمة لمتابعتها. 
 
 
 
وفي هذا السياق، كشفت دراسة أجرتها شركة "فودافون" عن أن ما يقرب من نصف الآباء ومقدّمي الرعاية يشعرون بأن أطفالهم أكثر معرفة منهم عندما يتعلّق الأمر بالتكنولوجيا الرقميّة. وأشارت أيضاً إلى أن الآباء يشعرون بأن أطفالهم ذوي الـ12 عاماً يتفوّقون عليهم بالمعرفة الرقميّة. ويزعم 71 في المئة من الآباء أن أطفالهم يستخدمون مصطلحات تكنولوجيّة لا يفهمونها. 
 
 
وقد وجدت الدراسة أنّ السلامة الرقميّة تتصدّر استطلاع المهارات، إذ يشعر الأهل بأنّهم غير مهيّئين لمساعدة أطفالهم. وكشف أكثر من 27 في المئة منهم عن أنّهم سيشعرون براحة أكبر مع أطفالهم عند استخدام الإنترنت، إذا كان لديهم فهم أفضل لكيفيّة الحفاظ على سلامتهم.  
 
هل من جانبٍ مشرق لاستخدام الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي؟ 
 
بدأ الخبراء للتوّ فهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 11 عاماً، والذين يستخدمون تطبيقات "إنستغرام" و"سنابشات" هم أكثر عرضة لمشكلات السلوك الرقمي مثل بناء صداقات عبر الإنترنت فقط، وزيارة مواقع قد لا يوافق الآباء عليها، بالإضافة إلى احتمال أكبر للمشاركة في التنمّر الرقميّ. 
 
وتغطّي دراسة أخرى كيفية قيام الأطفال الذين يستخدمون تطبيق "تيك توك" بتطوير تشنّجات لا إرادية. وتضيف أنّهم يعانون من اضطراب حركيّ ناتج عن التوتر والقلق. كلّ هذا ناتج عن استخدام تلك التطبيقات لوقتٍ طويلٍ من الزمن يومياً. 
 
 
وتحدّثت الاختصاصية النفسية، أليسا رشدان، لموقع "النهار" عن الشق الإيجابي من استخدام التكنولوجيا، خاصّةً وسائل التواصل الاجتماعي عند الأطفال، فقالت: "على الرغم من نصحنا للأهل بالتروّي قبل السماح لأطفالهم باستخدام هذه الوسائل، فإن لها إيجابيات عدّة في تنمية قدرات الطفل. فعلى سبيل المثال هي تشكّل وسيلة ليظلّ الطفل على اتصال دائم بمحيطه في حال كان يمرّ بأيّ أعراض تمنعه من الاختلاط بأقرانه". 
 
وتضيف رشدان أن: "استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون الحلّ للأطفال الذين يعانون من التوحّد. فقد تساعد هذه الوسائل على التواصل عبر وسيلة يشعرون بها بالراحة من دون الحاجة إلى الخروج من مناطق راحتهم. وتشكّل وسائل التواصل الاجتماعي طريقة لمساعدة الأطفال على اكتشاف ثقافات مختلفة وتعلّم اختلاف الآراء أيضاً". 
 
وختمت تعليقها عن هذا الموضوع قائلةً: "قد تشكّل وسائل التواصل الاجتماعي هذه وسيلة لتنمية قدرات الأطفال عبر المحطات التعليمية التي تقدّمها وتحفّزهم على اكتشاف نقاط قوتهم". 
 
 
قواعد استخدام الأجهزة الإلكترونية: 
 
نشرت منظّمة الأبحاث غير الربحيّة "Common Sense Media" دراسة في عام 2022، وجدت فيها أنّ الاستخدام الكلي للأجهزة الإلكترونية عند الأطفال والمراهقين زاد بنسبة 17 في المئة من عام 2019 إلى عام 2021. وفي المتوسّط، ارتفع استخدام الأجهزة يومياً عند الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ8 والـ12 عاماً، إلى خمس ساعات و33 دقيقة بعد أن كان أربع ساعات و44 دقيقة.  
 
 
وعلّقت رشدان على هذا الأمر بالقول: "يجب على الأهل مراقبة استخدام أطفالهم لوسائل التواصل الاجتماعي دائماً، وذلك عبر وضع الأجهزة التي يتمّ استخدامها من قبل الأطفال في أماكن يستطيع الأهل مراقبة نشاطاتهم، مثل غرف الجلوس، وتجنّب السماح لهم باستخدام هذه الأجهزة في خلوة غرفهم، وذلك لتفادي تعرّضهم لمحتويات غير مرغوب فيها".  
 
 
ويجب على الأهل مناقشة مخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مع أطفالهم، فمن الضروري توعيتهم بعدم الانخراط بأحاديث مع الغرباء، ومناقشة المحتويات التي يقوم الأطفال بمشاهدتها عبر هذه الوسائل. 
 
وشدّدت رشدان على ضرورة وضع مهل زمنية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، وألا يتخطّى تصفّح الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي الثلاثين دقيقة يومياً.  
 
وختمت حديثها قائلة: "إنّ الأهل قدوة أطفالهم؛ لذلك يجب على الأهل أن يخصّصوا أوقاتاً لأطفالهم للقيام بالأمور اليوميّة مثل اللعب معهم، وتخصيص أوقات لنشاطات مختلفة؛ وذلك بهدف توفير حياة صحيّة ومتوازنة". 
 
في الخلاصة، يُمكن القول إنّ خلق توازن في حياة الطفل وتشجيعه على تنمية حبّ المعرفة لديه أمر ضروريّ لنموٍّ صحيّ. ومع ذلك، يجب على الأهل متابعة أطفالهم في عمرٍ يعتبر أساسياً لتشكُّل شخصيّاتهم. لذلك، لا يجب النظر إلى التكنولوجيا والتقدّم كوسيلة لراحة الأهل، بل يجب استخدامها لمساعدتنا في تنمية الجيل الصاعد بطريقة صحيحة. 

اقرأ في النهار Premium