النهار

الذكاء الاصطناعي يجعل تفكير الناس أسرع... وأقل دقّة
علي زلزلة
المصدر: "النهار"
الذكاء الاصطناعي يجعل تفكير الناس أسرع... وأقل دقّة
الذكاء الاصطناعي (تصميم ديما قصاص).
A+   A-

أصبح من الصعب علينا مواكبة التطور السريع للإنترنت والتكنولوجيا هذه الأيام؛ لم يعد الأمر مقتصراً على التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، والبحث عن وصفة طعام خلال ثوانٍ، بل بات الذكاء الاصطناعيّ يتدخّل في صنع القرار والحياة العلمية والسياسية.

 

في كتابه الأخير، "أنا، الإنسان: الذكاء الاصطناعي والأتمتة والسعي لاستعادة ما يميّزنا"، يناقش أستاذ علم نفس الأعمال توماس تشامورو بريموزيك الطرق التي لا تعدّ ولا تحصى، التي تحكم بها أنظمة الذكاء الاصطناعي حياتنا اليومية؛ من العثور على الحبّ إلى العثور على عمل، فإلى معرفة نتيجة مباراة الأمس، قام الذكاء الاصطناعي بتبسيط عملية جمع المعلومات. ولكن تشامورو بريموزيك يجادل في أنّ ثورة المعلومات هذه تغيّر سلوكنا، وليس دائماً للأفضل!

 

 

التفكير في عصر السرعة

إذا كان عصر الذكاء الاصطناعي يتطلّب أن تكون أدمغتنا دائماً في حالة تأهّب للتغييرات الطفيفة، وأن تتفاعل بسرعة، فهذا يعني أنّنا نحسّن السرعة بدلاً من الدقة في التفكير والعمل، وفقاً لما وصفه الاقتصاديون السلوكيون بـ"اتخاذ قرارات اندفاعيّة وبديهيّة وتلقائيّة وغير واعية"؛ إذن ليست مفاجأة أنّنا نصبح أقلّ صبراً مع مرور الوقت.

 

هذا لا ينفي أنّنا من الأفضل أن نتفاعل بسرعة أو أن نثق في شجاعتنا في بعض الأحيان، لكنّ المشكلة تأتي عندما نفعل ذلك في القرارات المصيرية التي تتطلّب تفكيراً وتخطيطاً، ممّا قد يؤدّي إلى ارتكاب الأخطاء ويضعف قدرتنا على اكتشافها.

 

من جهة أخرى، يمكن أن يكون التفاعل السريع لحلّ المشكلات مفيداً في بعض الوظائف التي تتطلّب ذلك، كالطبيب مثلاً. لكنّ الطبيب قادر على فعل ذلك لأنّه استثمر آلاف الساعات في التعلّم والممارسة، وأصبح قراره مدفوعاً بخبرته. ولكن معظم الناس ليسوا خبراء، على الرّغم من أنهم يعتقدون في كثير من الأحيان أنّهم كذلك.

 

يتصرّف معظمنا، خاصّة عندما نتفاعل مع الآخرين على "تويتر"، بسرعة مثل الخبراء، ويقدّمون مجموعة واسعة من الآراء حول علم الأوبئة والأزمات العالمية، من دون دراسة فعليّة تدعم هذه المعلومات، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي يضمن تسليم رسائلنا إلى جمهور أكثر ميلاً إلى تصديقها.

إلى ذلك، يضعف اندفاعنا الرقميّ، ونفاد صبرنا العام، قدرتنا على النمو فكرياً وتطوير الخبرات واكتساب المعرفة.

 

وبحسب ما نقل موقع "إن غادجت"، قدّرت إحدى الدراسات الأكاديمية أن أعلى 10 في المئة من الشائعات الرقميّة تمثل ما يصل إلى 36 في المئة من إعادة التغريد على "تويتر"، وأن أفضل تفسير لهذه الواقعة هو ما يُسمّى بـ"غرفة الصدى" (Echo chamber)، حيث تكون عناوين التغريدات مطابقة لآراء معيدي التغريد ومعتقداتهم وإيديولوجيتهم، لدرجة أن المحتوى الفعلي للمقالة قد يكون مناقضاً للمعتقدات، إلّا أنّ غياب الصبر يلغي قضاء الوقت في قراءتها والتأكد من معلوماتها.

 

تأثير الذكاء الاصطناعي

في المقابل، تبدو منصّات الإنترنت القائمة على الذكاء الاصطناعي نوعاً حديثاً نسبياً من التكنولوجيا، وتأثيرها على السلوك البشري يتوافق مع ما سبق، إذ يُظهر المستخدمون سرعة في اتخاذ القرار ونقص في الانتباه.

 

وتشير الأبحاث إلى أن جمع المعلومات بشكل أسرع عبر الإنترنت، على سبيل المثال، من خلال البحث الفوري عن الأسئلة الموجودة على "غوغل"، يُضعف اكتساب المعرفة على المدى الطويل وكذلك القدرة على تذكّر مصدر الحقائق والمعلومات الخاصّة بنا.

 

اقرأ في النهار Premium