تمثل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند ودول الشرق الأوسط ركيزة مهمة في التعاون الدولي، وقد شهدت تطوراً ملحوظاً في العقود الماضية يعكس التغيّرات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم، والمصالح المشتركة التي تجمع الطرفين.
الهند واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لدول الخليج، إذ تعتمد بشكل كبير على واردات النفط والغاز من هذه الدول. في المقابل، تصدر الهند السلع الاستهلاكية والمواد الكيميائية والمنسوجات والأدوية. وتقدر فرص التصدير من الهند إلى الأسواق الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا بنحو 61 مليار دولار، وتعدّ السعودية والإمارات وتركيا من أفضل الوجهات لهذه الصادرات.
قطاع الأدوية في الهند.
إلى ذلك، يُعد قطاع الأدوية من القطاعات الحيوية التي تؤدي دوراً مهماً في تعزيز التعاون التجاري بين الهند ودول الشرق الأوسط. فالهند تُعرف بأنها "صيدلية العالم"، بفضل قدرتها الهائلة على إنتاج الأدوية بجودة عالية وأسعار تنافسية. وقد بلغ حجم صناعة الأدوية الهندية نحو 42 مليار دولار في عام 2022.
للغوص أكثر في تفاصيل العلاقات التجارية بين الهند ودول الشرق الأوسط، خصوصاً في قطاع الأدوية، حاورت "النهار" هاري كيران، المدير التنفيذي لشركة (HRV global)، وهي واحدة من الشركات الرائدة في مجال تصنيع وبيع وتصدير مجموعة واسعة من المكونات الصيدلانية النشطة، والوسائط الدوائية المتقدمة، والكريات، والمواد الكيميائية الغذائية، في كل أنحاء العالم.
-كيف تدير سلسلة التوريد لتلبية احتياجات سوق الشرق الأوسط؟
أنشأت شركة (HRV) مكاتب وفرق عمل في مواقع رئيسية، مثل إسطنبول ودبي، بوصفها مراكز استراتيجية بالنسبة إلى سوق الشرق الأوسط. يعتبر مبدأ العميل والمبيعات أولاً من المبادئ الأساسية التي تعتمدها المؤسسة إلى جانب توفير الحلول المتطورة لتوريد واجهة برمجة التطبيقات (API) في جميع المجالات.
كما تستفيد شركتنا من الحلول اللوجستية التي تقودها التكنولوجيا المتقدمة لضمان تسليم المنتجات في الوقت الملائم، خصوصاً مع مخزون (JIT) والحلول الجاهزة لتوريدها، فضلاً عن صيانة مرافق التخزين الحديثة لتخزين المنتجات بشكل آمن، وضمان الإرسال السريع.
على مقلب آخر، تطبّق الشركة تدابير صارمة لمراقبة الجودة لضمان التزام جميع المنتجات المعايير الدولية، وخصوصاً سوق الشرق الأوسط. كما نلتزم المتطلبات التنظيمية لدول الشرق الأوسط، مع ضمان الدخول السلس إلى الأسواق. ونتعاون مع الموزعين المحليين ومقدمي الرعاية الصحية لتوسيع الوصول إلى السوق وضمان توفر المنتج، كما نحرص على نسج روابط وثيقة مع العملاء في الشرق الأوسط لنفهم احتياجاتهم ونصمّم الحلول وفقاً لها.
وعلى صعيد التقانة، تعتمد شركتنا على الأدوات الرقمية لإدارة سلسلة التوريد، بما فيها التتبع الرقمي في الوقت الحقيقي وتحليل البيانات، وأيضاً من خلال الاستثمار المستمر في البحث والتطوير لابتكار وتقديم منتجات جديدة تلبي الاحتياجات المحددة لسوق الشرق الأوسط.
-ما أبرز التحديات التي تواجهكم في تصدير السلع إلى دول الشرق الأوسط؟
لا شكّ في أن تحديات عدّة تواجه عملنا، منها الأحداث الجيوسياسية التي تسبب اضطراباً في سلاسل الإمداد، كالمشكلة اليوم في البحر الأحمر، فضلاً عن الافتقار إلى الانسجام القانوني بين الدول المختلفة، والسياسات غير الواضحة بشأن معايير الجودة.
في أثناء توقف قناة السويس عام 2021، تمكنا من إعادة توجيه شحناتنا عبر قنوات بديلة، فبقي الانقطاع عند حدوده الدنيا. وقد فعّل هذا الحادث خططنا لمواجهة حالات الطوارئ. وعلى الرغم من عدم اليقين الجيوسياسي، فقد نما حجم صادراتنا إلى الشرق الأوسط بمعدل نمو سنوي مركّب يزيد على 30 في المئة سنوياً، في السنوات الثلاث الماضية.
وعلى الرغم من السياسات غير الواضحة، تبقى الفرصة هائلة نظراً إلى عدد المقيمين في هذه المناطق. وبصفتنا أصحاب أعمال، فإننا نتحمل المخاطر الناتجة من أي اضطرابات.
-ما هي الاستراتيجيات التي تعتمدها لتوسيع حصتك السوقية في دول الشرق الأوسط؟
نعمل على إطلاق منتجات مصممة خصيصاً لمعالجة الاهتمامات الصحية السائدة في الشرق الأوسط وتطويرها، كالأمراض المزمنة، والمعدية، والظروف المرتبطة بنمط الحياة.
ونسعى إلى توسيع محفظتنا في الفئات ذات الطلب المرتفع، مثل أدوية القلب والأوعية الدموية، وإدارة مرض السكري، وعلاج الأورام. كما نستكشف أيضاً إمكانية إمداد المنطقة بالبدائل الحيوية التي يزداد الطلب عليها في العالم. ونواصل تطوير وتعزيز المكاتب القائمة في إسطنبول ودبي، مع خطط لافتتاح مكاتب إضافية في مدن رئيسية شرق أوسطية أخرى، كالمملكة العربية السعودية وربما عمان لمكاتب مبيعات إضافية.
وحظيت اتفاقيتا الشراكة الاقتصادية والتعاون الاقتصادي بين الإمارات والهند ومجلس التعاون الخليجي الهندي بترحيب كبير، حيث تتمتع الإمارات بمزايا مالية ولوجستية قوية. أما عُمان، فقد وقعت واحدة من أفضل اتفاقيات التجارة الحرة في العالم.
-ما دور الابتكار في تطوير منتجاتكم وكيف يساهم في تلبية احتياجات الأسواق الشرق أوسطية المختلفة؟
في العادة، نتطلع إلى تطوير أي منتج للاستخدام في جميع أنحاء العالم. الاعتبارات الوحيدة هي تعرِفات الاستيراد (إن وجدت) التي تُفرض في تلك المنطقة، بناءً على فئة المنتج. ومتوقعٌ أن يرتفع الطلب على الأدوية في الشرق الأوسط مستقبلاً، خصوصاً مع الشركات في السعودية وإيران وحتى في لبنان.
- هل يمكنك مشاركة بعض الأمثلة حول مساهمة التقنيات الحديثة في تحسين كفاءة الإنتاج وتلبية متطلبات الجودة في الأسواق الهندية والشرق أوسطية؟
هناك الكثير من التطورات التي نعمل عليها في جميع المجالات لتحسين كفاءة الإنتاج التي تشمل أتمتة العمليات الروبوتية، وشفافية سلسلة التوريد، وسلسلة الكتل لمراقبة الجودة في الوقت الفعلي، وتحليل سجلات الدُفعات، وإمكانية التتبع والأمن.
-كيف يمكنك بناء وإدارة علاقاتك مع الشركاء والموردين في دول الشرق الأوسط لضمان استمرارية سلسلة التوريد؟
هناك طريقة واحدة فقط لبناء علاقات دائمة وشفافة مع الشركاء والموردين، وهي التواصل المستمر معهم وجهاً لوجه. أسافر أكثر من 10 أيام كل شهر للقاء جميع أصحاب المصلحة في مختلف دول العالم. أما المعارض التجارية، فهي وسيلة رائعة للقاء المهتمين. ومن الأمثلة على ذلك "معرض الصحة العربي" الذي يقام سنوياً في دبي، والذي حظي في هذا العام بمشاركة ضخمة. وهذا يوضح أن المنطقة تكتسب أهمية كبيرة في سوق الأدوية العالمي.
-ما العملة التي تستخدمونها في تجارتكم، خصوصاً وأنّ الهند عضو في مجموعة "بريكس"؟
يتم معظم تجارتنا بالدرهم الإماراتي أو باليورو، وفي حالات قليلة جداً بالدولار الأميركي. لذلك، أخذنا في الحسبان تكاليف التحوط (استراتيجية لتقليل مخاطر الحركات السلبية للعملة أو إزالتها باستخدام الأدوات المالية مثل العقود الآجلة أو المقايضات). وتكمن ميزة التعامل التجاري بالدرهم الإماراتي بأنّه مرتبط بسعر صرف الدولار، ما يجنبنا الخسائر المفاجئة.
-ما هي الاتجاهات العالمية في صناعة الأدوية التي تعتقد أنها ستؤثر في تجارتكم مع دول الشرق الأوسط؟
أرى ثلاثة اتجاهات كبيرة ناشئة في المنطقة، تملك إمكانية عالية للتأثير في التجارة بين الهند والشرق الأوسط، وهي: 1- زيادة التركيز على المواد البيولوجية والبدائل الحيوية. 2- التحول الرقمي والرعاية الصحية والوقائية عن بعد. 3- الحاجة إلى تعزيز مرونة سلسلة التوريد مع الطلب المتزايد على إدارة الأمراض المزمنة.