في ظلّ تصاعد الحرب التكنولوجية بين أميركا والصين، خصوصاً في الذكاء الاصطناعي والرقاقات الإلكترونية، حققت بيجينغ خطوة أثارت لغطاً واسعاً حولها. إذ تبين أنها حققت العدد الأكبر عالمياً في طلب براءات الاختراع للذكاء الاصطناعي، بالضدّ من القيود الأميركية والغربية المفروضة عليها في هذا المجال. كيف استطاعت الصين تحقيق ذلك؟ وما دور بروتوكولات الذكاء الاصطناعيّ في ذلك؟
بروتوكولات صناعة الذكاء التوليديّ
من المستطاع تلمّس بداية الإجابات مع التقرير الصادر عن "المنظمة العالمية للملكية الفكرية" التابعة للأمم المتحدة، الذي رصد هيمنة الصين على براءات اختراع الذكاء الاصطناعي التوليديّ عالمياً. وقد تبيّن أنّه بين عامي 2014 و2023، سجلت الصين طلب أكثر من 38 ألف براءة اختراع في هذا المجال، متفوقةً على الولايات المتحدة بأكثر من ستة أضعاف.
واستناداً إلى ذلك، من المستطاع التفكير بالدور الذي أدته بروتوكولات الذكاء الاصطناعي وتنفيذها، في نمو صناعتها في الذكاء التوليدي.
وللتوضيح، تُعرَّف تلك البروتوكولات بأنها مجموعة من السياسات والتوجيهات التي تحدد كيفية تطبيق التكنولوجيات الذكية في مختلف القطاعات كالصناعة، والخدمات الحكومية، والرعاية الصحية، والتعليم، والأمن، إضافة إلى أنها تتناول مسألة الخصوصية وحماية بيانات الجمهور والحريات الرقمية الشخصية وغيرها.
ومن بين الجوانب الهامة للبروتوكولات الصينية للذكاء الاصطناعي، يبرز التركيز على التنظيم والتنسيق بين القطاعين العام والخاص، وكذلك تشجيع الابتكار والبحث العلمي في هذا المجال. تشمل أهدافها أيضاً النهج الأمني في استخدام التكنولوجيا الذكية.
وبالطبع تأتي تلك الجهود الصينية فيما تسعى بكين إلى تحقيق التوازن بين الضوابط الصارمة التي تفرضها البلاد على حرية التعبير، وتعزيز تطوّر الذكاء الاصطناعي وخلق منافسين لأمثال برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي "شات جي بي تي" الذي صنعته شركة "أوبن إيه آي".
وتذكيراً، يعبر مصطلح "النموذج" Model في أنظمة الذكاء التوليدي عن مجموعة من قواعد البيانات والشبكات العصبية الإلكترونية المستخدمة في صنع نماذج تُحاكي عمليات المعرفة واتخاذ القرارات لدى البشر. وتُدرّب النماذج على كميات هائلة من البيانات كي تتعلم منها الأنماط والعلاقات بين البيانات، مثلًا يتعلم نموذج توليد النصوص العلاقات السياقية والدلالية للكلمات، بينما يتعلم نموذج توليد الصور العلاقات في المحتوى البصري. وبعدها، تستخدم النماذج هذه الأنماط التي تعلمتها لإنشاء محتوى جديد. وبالتالي، إن البيانات التي تتدرب عليها النماذج هي الأساس للمحتوى الذي سيصدر عنها، لكنها تحمل غالباً طابعاً أمنياً بالنسبة لدول كالصين والولايات المتحدة.
الصين تتصدّر السباق العالميّ في براءات الاختراع
خلال الفترة من 2014 إلى 2023، طلبت الصين تسجيل أكثر من 38 ألف براءة اختراع في الذكاء التوليدي، وتلتها الولايات المتحدة بـ6276 ، ثمّ كوريا الجنوبية بـ4155، واليابان بـ3409، والهند بـ1350.
وتشكل براءات الاختراع للذكاء التوليدي حالياً 6 في المئة من إجمالي براءات اختراع الذكاء الاصطناعي في العالم.
أكثر من 50 معياراً لقطاع الذكاءالاصطناعي في حلول 2026
وأخيراً، أصدرت الحكومة الصينية دليلاً عن بناء نظام معايير صناعة الذكاء الاصطناعي الشامل على المستوى الوطني للعام 2024، مع الإشارة إلى أن المعايير تقع في قلب بروتوكولات تلك الصناعة.
وأشار الدليل إلى التطور السريع الذي تشهده صناعة الذكاء الاصطناعي في مجالات الابتكار التقني والتطبيقات القطاعية والتعاون الدولي.
ويهدف الدليل إلى وضع نحو 50 معياراً وطنياً جديداً تتضمنه بروتوكولات الصناعة التكنولوجية، بحلول عام 2026، مع التركيز على تعزيز التفاعل بين المعايير والابتكار التكنولوجي في القطاع الصناعي. وكذلك يستهدف مشاركة أكثر من 1000 شركة في تنفيذ ونشر هذه المعايير، إضافةً إلى المساهمة في وضع أكثر من 20 معياراً دولياً لدعم التنمية العالمية لصناعة الذكاء الاصطناعي.
مسار احتضان الذكاء الاصطناعيّ
في عام 2017، أُدرِجَ الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في خطة عمل الحكومة الصينية التي وعدت بأنها "ستُسرع أعمال البحث والتطوير وتسويق المُنتجات الجديدة المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي، وتطوير المجمّعات الصناعية المخصَّصة لها".
وفي العام نفسه، أصدرت الصين خطّتها لتطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، بوضعها جدول أعمال طموحاً للغاية ومكوناً من ثلاث مراحل زمنية مختلفة، تستهدف نموّ قيمة صناعات الذكاء الصناعي في البلاد إلى ما يتجاوز 150 مليار يوان في حلول عام 2020، وإلى ما يتجاوز 400 مليار يوان في حلول عام 2025، وإلى ما يتجاوز تريليون يوان في حلول عام 2030.
وفي عام 2019، أصدرت الصين أيضاً "مبادئ حوكمة الذكاء الاصطناعي للجيل الجديد- تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول". وضُمِنَ الذكاء الاصطناعي في خطط مستقبلية للتنمية في تلك البلاد التي باتت من أوائل دول العالم في تسريع تطوير هذه الصناعة.
40 نموذجاً ذكيّاً في 6 أشهر
ويشار إلى أنه في بداية العام الحالي، عُلم أن الصين وافقت على الاستخدام العام لأكثر من 40 نموذج ذكاء اصطناعيّ في الأشهر الستة الأولى من بِدء عمليات الموافقة عليها.
وفي العام الماضي، بدأت بيجينغ في مطالبة شركات التكنولوجيا بالحصول على موافقة الجهات التنظيمية لفتح برامج "النماذج اللغوية الكبيرة" أمام الجمهور، مع السعي إلى إبقائها تحت سيطرتها.
نموذج لمحاكاة أيديولوجيّة الرئيس شي
كانت قد أطلقت بيجينغ أحدث محاولاتها للتحكّم في كيفية استخدام الصينيين للذكاء الاصطناعي من خلال طرح روبوت دردشة دُرِّبَ على أفكار الرئيس الصينيّ شي جين بينغ. وراجت تسميته بـ"Chat Xi PT". وحمل سمة الانضباط ضمن المعايير والبروتوكولات التي تحددها حكومة بيجينغ لمسار الذكاء التوليدي. وقد يعطي ذلك مثلاً آخر عن الدور الذي تؤدّيه بروتوكولات الذكاء الاصطناعيّ في الصين.